الجمعة , نوفمبر 1 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

عبد الباري عطوان: هل سيُنَفّذ أردوغان مطالب حليفه ويُرسِل قوّاته لاحتِلال دِمشق؟

عبد الباري عطوان: هل سيُنَفّذ أردوغان مطالب حليفه ويُرسِل قوّاته لاحتِلال دِمشق؟

عبد الباري عطوان
يبدو أنّ السيّد دولت بهشتلي، رئيس الحركة القوميّة التركيّة، لا يُدرك أنّه يعيش في القرن الواحد والعشرين، وإنّما في القرن الخامس عشر على أقلّ تقدير، عندما يُطالب الجيش التركيّ أن يزحف فورًا لاحتِلال مدينة دِمشق والإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وتدمير قِلاعه ردًّا على مقتل 13 جُنديًّا تُركيًّا في قصفٍ لقوّات الجيش العربيّ السوريّ على أحد نُقاط المُراقبة العسكريّة في ريف إدلب.
فالسيّد بهشتلي، حليف الرئيس رجب طيّب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه لم يكتفِ باستخدام تعبيرات غير لائقة في حقّ الرئيس السوري، أقلّها قوله إنّه رئيس “غير شرعي” بل تطاول بشكلٍ مُباشرٍ على روسيا وحمّلها مسؤوليّة الاعتداء على القوّات التركيّة في إدلب، ووصفها بأنّ نواياها غير صادقة مع تركيا مُطالبًا حُكومته بإعادة النّظر في جميع العُلاقات معها.
***
وزارة الخارجية الروسيّة كانت مُحقّةً في مُطالبة القِيادة التركيّة بالكفّ عن مِثل هذه التّصريحات “الاستفزازيّة” وتأكيد رفضها لها، ووصفها بأنّها “مُثيرةٌ للاستغراب”، لأنّها، أيّ تصريحات السيّد بهشتلي، علاوةً على كونها “جوفاء” و”انفعاليّة” لا تَعكِس الواقع على الأرض، فلو كان الجيش التركيّ يستطيع الزّحف إلى دِمشق وإسقاط الحُكومة السوريّة والرئيس الأسد لفَعلها قبل تسعة أعوام، مُضافًا إلى ذلك أنّ موازين القِوى على الأرض، حيث استطاع الجيش العربي السوري إعادة السّيطرة على أكثر من 600 كيلومتر مُربّع في شمال غرب سورية بينها أربع مُدن استراتيجيّة، تُؤكّد أنّ السيّد بهشتلي، وربّما الرئيس أردوغان نفسه، يعيشون في كوكبٍ آخر وبعيدين كُلِّيًّا عن الواقع، وما يجري على الأرض.
مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكي، الذي كان يُعوّل الرئيس أردوغان كثيرًا على دعم بلاده للمُخطّطات التركيّة في إبقاء الوضع الرّاهن في إدلب على حاله، أيّ خارج سيطرة الحُكومة السوريّة، والتصدّي لحليفها الروسيّ، أكّد أنّه لن يتم إرسال أيّ قوّات إلى المدينة المُحاصَرة، أو تقديم أيّ دعم عسكريّ لتركيا، فهي تصنع هذه الأزمة لتتورّط في حلّها، ممّا يعني أنّ الرّهان التركيّ على حلف “الناتو” قد فَشِل مُبكرًا، وهذا ربّما ما يُفسِّر تراجع الرئيس أردوغان اليوم الخميس، وتهديد وزير دِفاعه خلوصي آكار، بقصف قوّات جبهة “النصرة” ومواقعها في إدلب إذا لم تلتزم بوقف إطلاق النّار، تنفيذًا للمطالب الروسيّة وبُنود اتّفاق سوتشي، الأمر الذي سيُغضِب قِيادة هذه الجبهة وحُلفائها ممّا يزيد موقف السّلطات حراجةً.
قوّات الجيش العربي السوري تُقاتل على أرضها في إدلب لفرض السّيادة السوريّة، وهذا عملٌ مشروعٌ، بينما الوجود العسكريّ التركيّ غير شرعيّ، وسينتهي عاجِلًا أم آجِلًا، والتّحالف السوريّ الروسي على درجةٍ عاليةٍ من الصّلابة، وعندما يُؤكّد ديمتري بيسكوف، المتحدّث باسم الكرملين، بأنّه لا توجد أيّ خُطط في الوقت الرّاهن لترتيب لِقاء قمّة بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره التركيّ أردوغان فهذا يعني أنّ الرئيس الروسيّ لم يَعُد يَثِق بالوعود التركيّة، وأنّ أيّ لِقاء قمّة لا يُمكن أن يُعقَد إلا بعد تنفيذ اتّفاق سوتشي وبُنوده بالكامِل.
***
نصيحتنا “الأخيرة” للرئيس أردوغان وليس للسيّد بهشتلي وحده، هو الكفّ عن إطلاق التّصريحات “الاستفزازيّة”، مِثل التّهديد باحتِلال دِمشق وإطاحة الرئيس الأسد، والصّلاة في الجامع الأمَويّ، ليس لأنّها غير واقعيّة، ولم تَعُد تُقنِع أحدًا، بِما في ذلك فصائل المُعارضة السوريّة المسلّحة أو غير المسلّحة، وإنّما أيضًا لأنّها باتت تُعطي نتائج عكسيّةً تمامًا، مِثل نظيرتها التي أُطلِقَت في الملفّ الليبيّ، وتبخّرت بسُرعةٍ.
سياسة التّهديدات التركيّة التي زادت عن حدّها، لم تَعُد مُجديةً الأمر الذي يُحتّم تغييرها في أسرعِ وقتٍ مُمكنٍ وبِما يخدم مصالح تركيا وشعبها، وإلا فإنّ النّتائج ستكون مُرعبةً، ويكفي التّذكير بأنّ رئيس إقليم قبرص التركيّة مصطفى أكينجي طفَح كيله، وبات يتمرّد على أنقرة التي تُعتَبر الوحيدة المُعتَرفة بجمهوريّته، ويُوجّه انتقادات شرسة لقيادتها ويطرح برنامجًا انتخابيًّا عُنوانه الأبرز توحيد قبرص مُجدّدًا، وعودة الشّمال إلى الجنوب، ولم تُرعِبه تهديدات الرئيس أردوغان بتلقينه درسًا مُؤلمًا، فالزّمن يتغيّر، ومياه كثيرة مرّت تحت جِسر القضيّتين القبرصيّة والسوريّة، بل كُل قضايا مِنطقة الشرق الأوسط الأخرى، ولكنّ هُناك في أنقرة من يُدير وجهَهُ إلى النّاحية الأخرى، لأنّه يعيش حالةَ “إنكارٍ”، ولم تترك لهُ صديقًا أو حليفًا.. واللُه أعلم.

رأي اليوم

إقرأ أيضا: «القطبة المخفيّة» في إدلب: مبادرة إماراتيّة – سعودية من تحت الطاولة؟