الأربعاء , مايو 1 2024
شام تايمز

زلزال سوريا سيشجّع العرب على المزيد من الانفتاح على دمشق

زلزال سوريا سيشجّع العرب على المزيد من الانفتاح على دمشق

شام تايمز

شاهر الشاهر

شام تايمز

شهدت سوريا خلال اليومين السابقين أكبر كارثة طبيعية تشهدها البلاد راح ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى. جاءت الكارثة لتؤكّد وحدة السوريين وتماسكهم في السراء والضراء، فيد القدر طالت السوريين جميعاً وفي مختلف المناطق، وبمختلف انتماءاتهم الدينية والمذهبية؛ تلك الانتماءات التي لم يعرفها السوريون يوماً، وربما طفت على السطح مع بدء الحرب على سوريا، التي استهدفت وحدتها الوطنية وطيفها الاجتماعي الجميل الذي كان سراً من أسرار الجمال الخاص بها.

جاءت الكارثة في الوقت الذي تعيش فيه سوريا أسوأ مرحلة في تاريخها، وتعاني أزمة اقتصادية خانقة، وحصار هو الأسوأ فرضته عليها الولايات المتحدة لأسباب سيكشف التاريخ زيفها، كما كشف لنا زيف ما حصل في العراق وغيرها من الدول. ومما زاد من حجم الكارثة، الظروف الطبيعية الصعبة، حيث تعصف بالبلاد عاصفة ثلجية كبيرة، وسط انقطاع شبه تام للكهرباء، وعدم توفّر الوقود اللازم للتدفئة. تلك الكارثة تعامل السوريون معها بالصبر والإيمان والعمل، فلا اعتراض على حكم الله ولا راد لقضائه.

لقد شكّل قانون قيصر، الذي وضع بذريعة حماية المدنيين في سوريا، أكبر عقبة أمام الشعب السوري، فزاد معاناته وسط صمت العالم كله الذي اعتاد ذلك كما يبدو. هذا القانون هو في واقع الحال خروج على القانون الدولي وتكريس للغطرسة الأميركية الهادفة إلى تفتيت الدول وتقسيمها خدمة لمصالحها ومصالح “إسرائيل” في المنطقة، فإضعاف سوريا يشكّل نهاية القضية الفلسطينية، ويفرض المشروع الصهيوني بأبعاده وأهدافه، بمباركة ودعم بعض الدول العربية التي تنادي بـ”المحبة والتسامح وحوار الأديان”.

لقد خلّف الحصار الأميركي المفروض على سوريا أوضاعاً اقتصادية صعبة، جعلت الحكومة السورية عاجزة عن تأمين احتياجات شعبها والبدء بعملية إعادة الإعمار بعدما استعادت الحكومة سيطرتها على أكثر المناطق، وبعد الرغبة التركية بالحوار مع دمشق مقابل الانسحاب من الشمال السوري عبر اتفاقات معينة.

في ظل هذا الوضع، وجد السوريون أنفسهم بحاجة إلى المساعدة من قبل الدول الشقيقة والصديقة والمجتمع الدولي كله، وهذا حقّ من حقوق سوريا، فتلك المساعدات الإنسانية لن تذهب بكل تأكيد، كما يدّعي أعداء سوريا، إلى أيدي “النظام السوري”.

سوريا لم تتخلّف يوماً عن مساعدة الجميع بما أمكن، ووفقاً لإمكاناتها وظروفها، بل ربما أكثر من قدرتها في كثير من الأحيان، إذ أدّت دوراً كبيراً وضعها في مكانة تفوق بكثير إمكاناتها وقدراتها. ويكفي أن نشير هنا إلى مثالين قريبين وحاضرين في ذاكرتنا، هما احتلال العراق في العام 2003 وحرب تموز في لبنان في العام 2006. يكفي سوريا وقتها، أنها لم تبنِ مخيماً للاجئين العراقيين أو اللبنانيين، بل استضافهم السوريون في بيوتهم، وفتحت الحكومة السورية مؤسساتها ومنشآتها ووضعتها في خدمتهم، وهذا واجب ومصدر اعتزاز لكل سوري.

تأتي الكارثة فيما العالم يتململ من السياسة الأميركية، ويعمل على كسرها وتحدّيها. لذا، من غير المستبعد، بل أعتقد أن هذا ما سيحصل، أن يجد عدد من الدول في الزلزال فرصة لكسر الحصار المفروض على سوريا، فلا يمكن لأحد منعها من تقديم المساعدات الإنسانية إذا ما توفّرت الرغبة والإرادة لديها.

لقد شكّل زلزال سوريا زلزالاً ضرب القيم الغربية والليبرالية المزعومة، وأظهر حقيقة تلك الشعوب ونظرتها للإنسان العربي، ومدى النفاق الذي تمارسه تلك الدول. لقد أظهرت المساعدات الدولية المقدّمة لتركيا ازدواجية المعايير الغربية، وغياب دور المنظمات الدولية وتسييس عملها، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، ومواجهة الكوارث التي تعصف بالشعوب.

ستشكّل هذه الأزمة فرصة أمام الدول العربية الراغبة بعودة علاقاتها مع دمشق، والتي بدأت بخطى خجولة، تخفي خلفها رغبة كبيرة في ذلك. لذا رأينا الكثير من الاتصالات والبرقيات التي تلقّاها الرئيس السوري بشار الأسد من عدد من الملوك والرؤساء والزعماء العرب، ومبادرة العديد منهم إلى إرسال المساعدات الإنسانية اللازمة للشعب السوري في محنته.

هذا التحرّك العربي لا يزال خجولاً، ولا يرقى إلى حجم الكارثة، فالمطلوب موقف عربي موحّد بقيادة الجامعة العربية ينادي إلى رفع الحصار عن سوريا والسماح لها باستيراد المواد الإغاثية الضرورية لمواجهة الكارثة. فالأيام المقبلة ستكشف عن مبادرات عربية، وربما بقيادة المملكة العربية السعودية، لتقديم المزيد من الدعم اللازم للشعب السوري، ولتسريع عملية إغلاق هذا الملف والشروع بعملية إعادة الإعمار كمحصلة للحل السياسي الذي هو قيد الإنجاز.

الأمر المستغرب، والذي لاقى استهجاناً شعبياً ورسمياً في سوريا، هو موقف رئيس الكيان الصهيوني نتنياهو، الذي ادّعى فيه طلب سوريا المساعدة من الكيان الغاشم؛ تلك الكذبة الفجة التي لا تنطلي على أحد، فالجميع يعرف أن السوريين يفضّلون الموت على طلب المساعدة ممن تلطّخت يداه بقتل الشعب الفلسطيني.

الحكومة السورية من جهتها وضعت خطة طوارئ خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه الرئيس الأسد، واستحدثت غرف عمليات للتعامل مع الأزمة وفق الإمكانات المتاحة، وكانت توجيهات الرئيس الأسد بتقديم الدعم والمساعدة لجميع السوريين، بمن فيهم الموجودون في إدلب وكل الشمال السوري.

الموقف العراقي كان لافتاً ومميّزاً من حيث حجم المساعدات وسرعة الاستجابة، وتقديم كميات كبيرة من المحروقات الضرورية لعمل الآليات العاملة في مجال الإغاثة والإسعاف. أما موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية فلم يكن مستغرباً، وهي الدولة التي وقفت دوماً إلى جانب سوريا، وقدّمت كل الدعم لها في أزمتها، وهذا ليس بمستغرب أيضاً، وقد جاء من باب ردّ الدين أيضاً، ففي الوقت الذي وقف العرب جميعاً ضد إيران في الحرب التي فرضت عليها من النظام العراقي السابق، كانت سوريا الدولة الوحيدة التي وقفت مع طهران وقدّمت لها المساعدات الإنسانية حينها.

واقع الحال يشير إلى أنَّ السوريين يجب أن يعتمدوا على أنفسهم أولاً، وألّا ينتظروا ما سيقدّمه الآخرون لهم، فالدول لا تبنى إلا بسواعد أبنائها وعرقهم وأموالهم وعلاقاتهم الدولية، فقد أصبح السوريون في الخارج قوة لا يستهان بها على الصعيد العلمي والاقتصادي، وحتى الاجتماعي والسياسي في الدول التي يعيشون فيها.

لذا، يجب العمل على توظيف تلك الطاقات، وبشكل سريع، واستثمار الأزمة لإعادة الصلة بهؤلاء، عبر دعوة الأطباء للتوجّه إلى سوريا، وبشكل سريع، مقابل تعهّد رسمي بعدم التعرّض لأي منهم، في حال كان مطلوباً لأسباب معينة (كتأدية الخدمة العسكرية أو الاحتياطية مثلاً، أو بسبب تركه الوظيفة، وسوى ذلك من أسباب).

كما أنَّ لدى سوريا ثروة هائلة من النجوم وكبار الفنانين. لذا يجب العمل على استقطابهم ودعوتهم لإقامة عدد من الحفلات في الخارج، ورصد ريعها لمتضرّري الزلازل، وبشكل سريع. السفارات السورية في الخارج أيضاً عليها دور كبير في التواصل مع الدول التي توجد فيها، والتنسيق مع الجالية السورية لتنسيق عملها، وتيسير نقل المساعدات المقدّمة من طرفهم إلى داخل القطر.

على السوريين الابتعاد عن الكلام، والإشارة إلى الأخطاء خلال الأزمة، والانتقال إلى العمل والفعل. فالأخطاء كثيرة، وهي حصيلة تراكمات لها أسبابها الخارجية أحياناً، ومنظوماتها الداخلية التي باتت بحاجة إلى “تفكيك” والضرب بيد من حديد في حال كانت هناك إرادة حقيقية لذلك.

الأزمات عادة ما تظهر الأخطاء المتراكمة وتعرّي التقصير في العمل لدى المسؤولين الحكوميين. لذا، من غير المستبعد أن تكون هناك ارتدادات سياسية للزلزال على الصعيد الداخلي السوري، لجهة إقالة بعض الوزراء والمسؤولين إذا ما ثبت تقصيرهم في إدارة هذا الملف، وهو ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة.

الميادين

شام تايمز
شام تايمز