الأحد , أبريل 28 2024
شام تايمز

تقارب بين دمشق وأنقرة وتصعيد ضدّ الوجود الأميركي فكيف ستردّ واشنطن؟

القمّة الدفاعية – الأمنية التي عقدت في موسكو، الأربعاء، بين وزراء دفاع كلّ من تركيا وسوريا وروسيا وبمشاركة رؤساء أجهزة الاستخبارات في هذه الدول، تشكّل ولا شكّ اختراقاً نوعياً في مسار تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة الذي ثار جدل واسع حول إمكان تحققه في الأسابيع الماضية، غير أن ما تستبطنه القمّة من دلالات سياسية لجهة تغيّر معادلة التحالفات، ومن احتمال نشوء محور ثلاثي بين روسيا وتركيا وسوريا بناءً على تقاطع مصالح قائم بين هذه الدول، ينمّ عن ترقّب المنطقة تغييرات واسعة قد تقلب المشهد فيها رأساً على عقب.

شام تايمز

تعني القمّة من حيث المبدأ أن دمشق وأنقرة وجدتا أن الوقت قد حان للارتقاء بالاتصالات بينهما، من المستوى الأمنيّ السرّي الذي كان يتولاه رئيسا جهازي الاستخبارات في البلدين، علي مملوك عن الجانب السوري، وهاكان فيدان عن الجانب التركي، إلى المستوى العسكري العلني، وذلك لأول مرة منذ انقطاع العلاقة بين البلدين عام 2011 في أعقاب اندلاع الأزمة السورية ووقوف تركيا مع المعارضة ضد النظام.

شام تايمز

ويشي هذا الانتقال بأن المستوى الأمني قد تمكن من إنجاز مهمته المتمثلة في وضع خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين الطرفين، وأن كلّ ما سيجري لاحقاً لن يكون سوى تنفيذ لبنود هذه الخريطة.

ولم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أول من قرأ إشارات ما توصل إليه المستوى الأمني من تقدم ملموس، عندما ذكر في تصريح له أنه اقترح على الرئيس الروسي إيجاد آلية ثلاثية لحل الأزمة السورية، مشيراً بالتفصيل إلى أن المسار قد يبدأ بالاتصال بين أجهزة الاستخبارات ثم بين وزراء الدفاع ولاحقاً بين وزراء الخارجية، تمهيداً للأرضية قبل عقد لقاء على مستوى القادة. فثمة تطورات سياسية وميدانية جرت في الشرق السوري، أعطت مؤشرات إلى أن الولايات المتحدة التي تسيطر على المنطقة بالتنسيق مع “قوات سوريا الديموقراطية” كانت لديها معلومات حول قرب حدوث اختراق ما على صعيد العلاقة بين سوريا وتركيا، ويبدو أنها سارعت إلى اتخاذ خطوات سياسية وعسكرية من أجل مواجهة مثل هذا الاحتمال الذي لم يطل الوقت قبل حدوثه.

وكانت الزيارة النادرة لبافل طالباني، رئيس حزب الاتحاد الوطني في إقليم كردستان العراق إلى الشرق السوري، برفقة قائد قوات التحالف الدولي لمقر إقامة مظلوم عبدي قائد “قوات سوريا الديموقراطية” في الحسكة، من بين الإجراءات التي يشتبه في أن تكون واشنطن قد قامت بها من أجل استباق أي مفاجآت محتملة قد تشهدها خريطة التحالفات في المنطقة. كما حرصت الولايات المتحدة على زيادة انتشارها العسكري في المنطقة، وقامت أخيراً بتجهيز الأرضية لإعادة قاعدتها العسكرية في الرقة بعد ثلاث سنوات من إخلائها.

ولا يبدو من قبيل الصدفة المحضة أن يسبق انعقاد القمة الدفاعية الثلاثية، إعلان “قوات سوريا الديموقراطية” عن هجوم نفذه تنظيم “داعش” على سجن في الرقة يحتجز فيه المئات من عناصر التنظيم، وكذلك، أيضاً الإعلان عن استهداف أبو ياسر اليمني القيادي في التنظيم بغارة وقعت في مدينة الباب التي تقع عملياً تحت السيطرة التركية. إذ اعتبر مراقبون كثر أن هذه الإجراءات والغارات كانت بمثابة رسائل أميركية إلى أنقرة تحديداً، مفادها أن الولايات المتحدة ليست راضية عن مسار التطبيع مع دمشق، وأن مهمة محاربة الإرهاب التي تتذرع بها أنقرة لتسريع خطوات التقارب مع دمشق إنما تقوم بها واشنطن وحلفاؤها وليس أي جهة أو محور آخر.

وعلاوة على ما سبق، كانت الولايات المتحدة قد أرسلت جيمس جيفري مبعوثها السابق إلى سوريا في زيارة إلى تركيا قبل أسابيع قليلة لثني أنقرة عن المضي قدماً في مسار تطبيع علاقاتها مع دمشق، ولكن لا يبدو أن جيفري نجح في مهمته.
وللقلق الأميركي ما يبرره، فقد انطلق مسار التقارب بين دمشق وأنقرة عملياً منذ انعقاد القمة الثلاثية بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران في طهران حزيران/(يونيو) الماضي، وكان الحامل الرئيس لسياسة التقارب آنذاك هو المواقف المشتركة المناهضة للوجود الأميركي في سوريا.

والسمة العسكرية التي طغت على اللقاء الأول بين تركيا وسوريا، بعد السمة الأمنية، تدلّ بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن الأولويات التي تشغل بال أطراف اللقاء هي أولويات عسكرية بالدرجة الأولى، وتسبق حتى أي شواغل سياسية يمكن النظر فيها لاحقاً عبر لقاء يجري الترتيب له بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا ومن المتوقع ألا يطول موعده كثيراً. ومما لا شك فيه أن الجانب العسكري من شأنه أن يقلق كثيراً “قوات سوريا الديموقراطية”، حليفة واشنطن في محاربة تنظيم “داعش”، لأن ذلك يعني في قاموس هذه القوات أن التقارب بين الدول الثلاث سوف يكون على حساب مشروعها ومصالحها، وهو ما تخوّف منه الجنرال مظلوم عبدي علناً عندما تحدث عن مخاطر التقارب بين دمشق وأنقرة على المشروع الكردي المتمثل في الإدارة الذاتية في مناطق شرق الفرات.

وتدرك الولايات المتحدة خطورة اجتماع وزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا، ليس على حلفائها وحسب، بل حتى على السياسة الأميركية في سوريا، وربما هذا ما دفعها إلى الانخراط أكثر في الملف السوري ومحاولة استباق أي خطوة على مسار التقارب بين دمشق وأنقرة، عبر اتخاد خطوات سياسية وعسكرية. ومما له دلالته في هذا السياق أن الاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع جاء بعد أيام فقط من كشف وزير الدفاع التركي عن طلبه استخدام القوات التركية للمجال الجوي السوري في أي عملية مقبلة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستقف الولايات المتحدة موقف المتفرج على التقدم المتسارع في تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، أم ستحاول عرقلته عبر تصعيد تحركاتها في الملف السوري للضغط على الدول الثلاث؟ وهل لديها الأدوات للتأثير في مسار التطبيع، لا سيما أن تقارب أنقرة مع دمشق لم يؤثر فيه إقرار قانون مكافحة الكبتاغون؟ وبالتالي هل انعقاد القمة الدفاعية هو انطلاق فعلي لحل الأزمة السورية أم ربما سيكون بداية لتصعيد جديد بين القوى الخارجية المؤثرة في الملف السوري؟
النهار

شام تايمز
شام تايمز