الإثنين , نوفمبر 11 2024

الطائرات الأميركيّة تحت إمرة الجولاني!

الطائرات الأميركيّة تحت إمرة الجولاني!

علاء حلبي

خلافاً لعمليات الاغتيال السابقة التي نفّذتها الولايات المتحدة في إدلب، وتمكّنت في خلالها من أن تستعرض حضورها وتعيد بناء غطاء «محاربة الإرهاب»، لم تمرّ العملية الأخيرة التي أقدمت عليها قبل أيام بالسلاسة نفسها، كما لم تُطوَ صفحتها بعد استهلاكها إعلامياً، إذ فَتحت الباب أمام تساؤلات عديدة حول قوّة العلاقة التي باتت تربط واشنطن بـ«هيئة تحرير الشام» التي يتزعّمها أبو محمد الجولاني، ومدى قدرة الرجل على التأثير في قرارات الأولى، إلى درجة تَمكُّنه من استثمار هذه العمليات وتسيير طائرات لاغتيال خصومه

على مدار الأيام الثلاثة الماضية، ضجّت الأوساط «الجهادية» في الشمال السوري بتفاصيل حادثة الاغتيال التي نفّذتها طائرة أميركية تابعة لـ«التحالف الدولي» قرب مدينة إدلب، مستهدِفةً رجلاً كان يقود درّاجة نارية في طريق زراعي جنوب شرقي المحافظة، في وقت متأخّر من ليل الإثنين الماضي، ما أدّى إلى تفحّم جثته. وعلى إثر وقوع الحادثة، خرجت القيادة المركزية الأميركية، في اليوم التالي، لتُعلِن أن الشخص المستهدَف هو أبو حمزة اليمني، أحد أبرز قياديّي تنظيم «حرّاس الدين» التابع لتنظيم «القاعدة»، معتبرةً أن هذا الاغتيال «سيعطّل قدرة القاعدة على تنفيذ هجمات ضدّ الأميركيين وشركائهم الأبرياء حول العالم». ويُعتبر اليمني أحد مُهندسي عملية اقتحام «الجهاديين» مدينة إدلب والسيطرة عليها عندما كان ينشط في صفوف تنظيم «جند الأقصى» عام 2015، بعد عامَين نشط خلالهما في تنظيم «جبهة النصرة»، لينتقل إثر ذلك إلى تنظيمات عدّة – بعدما حلّت «النصرة» «جند الأقصى» -، آخرها «جند الملاحم» الذي اندمج بـ«حرّاس الدين» المبايِع لـ«القاعدة».

على أن البيان الأميركي الذي احتفل هذه المرّة باغتيال اليمني بعد محاولتَين سابقتَين تداولت وسائل إعلامية أميركية أنهما استهدفتاه من دون أيّ تأكيد رسمي، اصطدم بحقائق مغايرة على الأرض، مع تأكيد المصادر «الجهادية» أن الرجل لا يزال حيّاً، وأنه يمارس مهامه في التنظيم، وأن المستهدَف هو شخص آخر يُعتبر من أبرز خصوم الجولاني. المصادر التي أوضحت أن الشخص الذي تمّ اغتياله هو القيادي السابق في «هيئة تحرير الشام»، نوري محمد هزاع أبو هزاع الديري، الذي انشقّ عن الهيئة بعد انفكاكها عن «القاعدة»، سخرت من الثقة التي باتت تُوليها واشنطن للجولاني إلى درجة تدفعها لتسيير طائرة لأكثر من ثلاث ساعات لاغتيال شخص في وقت متأخّر من الليل، والإعلان عن اسمه والاحتفال به من دون أيّ تريّث للتأكّد من المعلومات.

وعن سبب اتّباع الجولاني هذا التكتيك والاعتماد على «التحالف» بدلاً من اعتقال خصومه أو حتى اغتيالهم على الأرض، ترى مصادر «جهادية» مناوئة له أن زعيم «تحرير الشام» يتّبع تكتيكات عدّة في القضاء على خصومه؛ فتارة يشنّ هجمات على مقرّاتهم ويقوم باعتقال قياديّيهم، وتارة أخرى يعمد إلى تنفيذ عمليات اغتيال، وفي بعض الأحيان يلجأ إلى «التحالف»، خصوصاً إن تعلّق الأمر بشخصيات ذات تأثير في المجتمع، مثل الديري. وتُبيّن المصادر أن الأخير معروف بقوّة حجّته وقدرته على الإقناع، وله أتباع كثر، بالإضافة إلى أن خلافاً كبيراً وقع في الفترة الأخيرة بينه وبين «أبو ماريا القحطاني»، أحد أبرز مساعدي الجولاني، والذي ينتمي إلى العشيرة نفسها التي يتحدّر منها الديري (عشيرة الجبور)، الأمر الذي قد يُدخل «هيئة تحرير الشام» في دوّامة صراع عشائري في حال قامت هي باغتيال الأخير.

اليمني ما زال حيّاً بينما المستهدَف هو شخص آخر يُعتبر من أبرز خصوم الجولاني

وعلى الرغم من وقوع واشنطن في فخّ الجولاني، ترى مصادر «جهادية»، في حديث إلى «الأخبار»، أن «العلاقة» بين الأميركيين و«تحرير الشام» لن تتأثّر بسبب هذه الحادثة، خصوصاً بعد أن أثبت الرجل في مرّات عديدة سابقة ولاءه، وقدّم معلومات مكّنت الولايات المتحدة من اغتيال عدد كبير من قياديّي التنظيمات المتشدّدة، على رأسهم زعيما تنظيم «داعش» اللذان كان يختبئان في ريف إدلب، أبو بكر البغدادي، وخليفته أبو إبراهيم القرشي، معتبرة أن الرصيد الذي بات يمتلكه الجولاني يهيّئ له إمكانية تجاوُز الأمر، بل وتكراره مستقبلاً، تحت غطاء «محاربة الإرهاب»، خصوصاً أن الديري الذي اغتاله التحالف وادّعى أنه اليمني، ينشط أيضاً في صفوف «حرّاس الدين».
كذلك، ترى المصادر ذاتها أن «تحرير الشام» التي باتت تملك حظوة في أنقرة وواشنطن تُمكّنها من بسط سيطرتها المطلقة على إدلب، تتمهّل في عملية القضاء على التنظيمات «الجهادية» الأخرى، حيث تعمل على تفكيكها ببطء شديد، من أجل استثمار وجودها في التخلّص من جميع معارضي الهيئة من جهة، واستغلال عمليات القضاء على تلك التنظيمات في تمتين علاقة «تحرير الشام» بقوى عدّة، أبرزها واشنطن، التي تغضّ الطرف بشكل كامل عن الجولاني ومقاتليه الذين ينظّمون استعراضات عسكرية، ويتابعون عمليات التجنيد والتدريب، ويتمدّدون إلى ريف حلب على الرغم من تصنيفهم على لوائح «الإرهاب»، وتطارد أشخاصاً على دراجات نارية في أراضٍ زراعية لساعات في أوقات متأخّرة من الليل لاغتيالهم.

الأخبار