دمشق لا كييف أيها القيصر
ماذا يفعل الروس، وماذا يفعل الايرانيون في سوريا، اذا كانت «اسرائيل» تدمر فيها ما تدمر، وتقتل ما تقتل، أنّى شاءت وكيفما شاءت، واذا كان الأميركيون يستولون على النفط والقمح في المناطق الأكثر ثراء والأكثر خصوبة، واذا كان الأتراك يقتطعون آلاف الكيلومترات لاقامة قاعدة للنيوانكشارية كمدخل للنيوعثمانية؟
الأولوية الروسية الآن للحرب في أوكرانيا، وحيث القيصر يدور داخل الزجاجة الأميركية (هكذا كتب توماس فريدمان)، دون أن يعلم ما نهاية الاستنزاف الاستراتيجي لبلاده، وبعدما تعاطى البيت الأبيض مع التهديد النووي على أنه «صيحة من يصرخ من داخل المقبرة»!
ضرب مطار دمشق يعني الاّ منطقة محرمة على الأرض السورية. كل الاحتمالات على النار الآن. هذا ما تؤكده مصادر ديبلوماسية غربية وهي تتحدث عن «الفرصة الذهبية» أمام حكومة نفتالي بينيت التي تخطط لما هو أبعد بالكثير الكثير، وبالغياب الكامل لمعادلة القوة…
لقد بلغ السيل الزبى. هكذا قال العرب (تلك الفقاعات البشرية في لعبة الأمم).»الاسرائيليون» يتذرعون بالوجود الايراني، كما لو أن الروس لم يُبعدوا الايرانيين أكثر من مائة كيلومتر عن خطوط فض الاشتباك، بعدما خططوا للقوس الاستراتيجي الذي يمتد من القنيطرة الى الناقورة، ما يعني اعادة كرة النار الى لبنان الذي لم يعد أكثر من حطام اقتصادي وسياسي…
ولكن ألم تكن القاذفات «الاسرائيلية»، وقبل الحرب الأوكرانية، تصول وتجول حول سوريا، وفوق سوريا ؟ كثيرون يتحدثون الآن عن «تجربتنا المريرة مع الدببة القطبية». ماذا فعلت القيادة السوفياتية بكل تلك الوجوه الرخامية، وبتلك الحمولة الايديولوجية، لمصر وسوريا ابان حرب حزيران 1967.
لا تكافؤ على المستوى الميداني. الجيش السوري انهكته الانقلابات المتلاحقة، والجيش المصري كان بقيادة رجل بخلاعة، وبتفاهة، عبد الحكيم عامر الذي كان يمضي ليلته (ليلة الحشيش) في فراش برلنتي عبد الحميد.
الصدمة تلو الصدمة في سوريا. لا أحد ينفي الدور الروسي في انقاذ الدولة، أو ما تبقى من الدولة في سوريا عشية اطلاق السيناريو الذي وضعته أجهزة استخبارات عربية وأميركية وأوروبية و»اسرائيلية» وتركية لاحتلال دمشق. تالياً تحويل سوريا الى حلبة لحرب المائة عام، ربما حرب الألف عام، بين تلك الضباع البشرية الآتية من كهوف تورا بورا…
منذ البداية، الايرانيون قالوا للروس»هؤلاء هم الاسرائيليون، ونحن نفهمهم». لم يقولوا.. «ونحن نفهمهم أكثر منكم». ذاك النوع من البرابرة لا يمكن أن يتوقف عن ضرب سوريا، الا بارساء قواعد أخرى للصراع، تماماً كما هي الحال في لبنان.
ولكن للروس حساباتهم التركية وحساباتهم «الاسرائيلية»، وحتى حساباتهم الأميركية. كيف للدولة السورية أن تواجه ذلك التسونامي من الأزمات، اذا ما بقيت تتلقى الضربة تلو الضربة (مع توقع ضربات أكثر وحشية وأكثر خطورة).
ليس صحيحاً ان الظروف لم تعد تتيح امكانية التصدي للصواريخ بالصواريخ وداخل الأراضي «الاسرائيلية»، حتى وان كان الوضع الاقتصادي قي سوريا أكثر من أن يكون معقدأً، وأكثر من أن يكون مرهقاً، وبوجود أكثر من جهة تراهن على انفجار اجتماعي لا بد أن تكون له تداعياته العاصفة على البنية الداخلية للدولة.
سوريا، شقيقتنا، في مأزق متعدد الأبعاد.»اسرائيل» لا يمكن أن تستكين حتى ولو انتفت الذريعة الايرانية. في الرأس «الاسرائيلي» (والأميركي) ارغامها على الالتحاق بـ»ميثاق ابراهيم». حينذاك لا بد للبنان الذي هو المثال في المجابهة وفي تكريس معادلة التوازن، أن يطوف عارياً حول الهيكل لتكتمل لعبة الدومينو.
يأس من الروس. ليس صحيحاً أن الوقت يعمل لمصلحة سوريا، أو لمصلحة ايران. روسيا في دوامة الحرائق. التنين باظافر حريرية للتسلل عبر طريق الحرير. الوقت لمصلحة أميركا ولمصلحة «اسرائيل». ما البديل في هذه الحال، وحالنا حال؟
الخطر أكبر من أي وقت مضى، حتى وان رأى فلاديمير بوتين في نفسه بطرس الأكبر. اذاً، من يذكّر فلاديمير الأكبر بقوله في بدايات الأزمة السورية «النظام الدولي الجديد ينبثق من دمشق». أجل من دمشق، لا من كييف أيها القيصر…
الديار -نبيه البرجي
اقرأ ايضاً:ماحقيقة عودة مطار دمشق الدولي للعمل في 22 حزيران؟