الخميس , مايو 2 2024
شام تايمز
الصورة الفوتوغرافية التي كادت تبدأ حربًا عالمية ثالثة

قصة الصورة الفوتوغرافية التي كادت تبدأ حربًا عالمية ثالثة عام 1962!

في الرابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1962 كاد العالم يبدأ في الانزلاق إلى حرب عالمية نووية لا تبقي ولا تذر، طرفاها الولايات المتحدة مع حلفائها ضد الاتحاد السوفيتي. ففي ذلك التاريخ كانت طائرة تجسس أمريكية من نوع U-2 تحلق على مسافة 21 كيلومتر فوق مدينة سان كريستوبال الكوبية عندما لاحظ طياروها موقعًا جبليًا قد يبدو للوهلة الأولى عاديًا، لكنه كان يحمل في تفاصيله ما سيقرّب العالم بصورة غير مسبوقة إلى هوة حرب عالمية ثالثة.

شام تايمز

شيء ما في ذلك الموقع أثار فضول الطيارين الذين استطاعوا الانقضاض على الموقع من مسافة 300 متر وتصوير تفاصيله، ثم عادوا إلى فلوريدا بالولايات المتحدة حيث تلقفه منهم المركز الوطني للتأويل الفوتوغرافي، وهو مركز سري تابع لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وبعد تحليل المركز للصور التي التقطها الطيارون كانت الصدمة.

شام تايمز

بدايات الأزمة.. الحرب الباردة بين القوتين العظمتين

حاربت الولايات المتحدة جنبًا إلى جنب مع الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب العالمية الثانية، فما الذي أدى إلى الفرقة؟ باعتبارها مركزًا للمعسكر الرأسمالي الغربي، لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية تقبل فكرة وجود قوة عظمى أخرى تعتبر الشيوعية عقيدة لها، وزاد من ذلك الرفض وجود جوزيف ستالين على رأس تلك القوة، والذي عرف بخططه التوسعية التي لا تعرف حدًا.

Embed from Getty Images

ستالين ورزفلت وتشرشل

أما السوفيت فزاد حنقهم على الولايات المتحدة لعدم إتاحة الأخيرة لهم فرصة الظهور باعتبارهم عضو فاعل على الساحة الدولية، كما رأوا أن تثاقل الولايات المتحدة عن الدخول في الحرب العالمية الثانية قد أدى إلى هلاك عشرات الملايين من السوفيت؛ ما أدى إلى تفاقم العداوة بين الطرفين بعد خمود نيران الحرب، وزيادة عدم الثقة بينهما.

وفي محاولة استباقية لصد أي عدوان محتمل من طرف على آخر؛ تغلغل الطرفان في البلدان التي تحد الآخر. ففي الوقت الذي ساعدت فيه الولايات المتحدة أوكرانيا على التحرر من قبضة الاتحاد السوفيتي، وبنت قواعد صاروخية في تركيا، تغلغل السوفيت في كوبا واستطاعوا تحويلها إلى الشيوعية وبناء قواعد عسكرية هناك، لكن الولايات المتحدة لم تقف مكتوفة الأيدي أمام ذلك التهديد لأمنها القومي.

خليج الخنازير.. أمريكا تجتاح كوبا

في يناير (كانون الثاني) 1959 نجح فيديل كاسترو في الاستيلاء على عاصمة كوبا وإزاحة الديكتاتور المدعوم أمريكيًا؛ فولجينثيو باتيستا، من الحكم، وفي الوقت الذي رحب فيه الكوبيون بتلك الخطوة، ورأوا فيها بداية طريق الإصلاح، رأت الولايات المتحدة صعودًا للشيوعية على عتبة دارها.

Embed from Getty Images

كاسترو

اعتبرت الولايات المتحدة الرئيس باتيستا حليفًا لها ولشركاتها المتحكمة في الاقتصاد الكوبي، فقد امتلكت تلك الشركات نصف حقول السكر في كوبا وأكثر مزارعها ومناجمها. بالإضافة إلى ذلك فقد كان الرئيس باتيستا معاديًا للشيوعية، وهو ما يضمن للولايات المتحدة عدم قيام أية تحالفات بين كوبا والاتحاد السوفيتي. أما فيديل كاسترو فقد هدد الولايات المتحدة أكثر من مرة بإنهاء استثماراتها في كوبا؛ لأنه رأى فيها استغلالًا لحقوق الشعب الكوبي.

كانت الضربة القاصمة للولايات المتحدة حين أنشأ كاسترو علاقات اقتصادية قوية مع الاتحاد السوفيتي، اشترى الأخير بموجبها حصة الولايات المتحدة من الصادرات الكوبية من السكر، والتي بلغت نحو 80% من انتاج البلاد. وفي السابع عشر من أبريل (نيسان) 1961، غزت الولايات المتحدة كوبا غزوًا شاملًا بناءً على توصية وكالة الاستخبارات الأمريكية التي وضعت خطة ظنتها محكمة لذلك، وأسمتها «خليج الخنازير».

لكن تلك الخطة فشلت فشلًا ذريعًا في الأربعة وعشرين ساعة الأولى من الغزو، وتقهقر الأمريكيون من الأراضي الكوبية أمام بأس قوات كاسترو المقاومة؛ ما شجع الاتحاد السوفيتي على المضي قدمًا في تعزيز وجوده عسكريًا بكوبا، وأجبر الولايات المتحدة على ابتلاع هزيمتها سريعًا والعودة إلى الساحة الكوبية بقدراتها التجسسية.

معسكر نووي سري.. حرب عالمية ثالثة على الأبواب

حين حلل مركز التأويل الفوتوغرافي الأمريكي الصور التي جلبها الطيارون من كوبا، وجدوا أن الموقع يمتلئ بقاذفات صواريخ متوسطة المدى قادرة على حمل صواريخ نووية، وبدا منظمًا على النحو السوفيتي؛ ما جعلهم يتحركون على وجه السرعة ويتواصلون مع البيت الأبيض.

Embed from Getty Images

الصورة الملتقطة

في اليوم التالي مباشرة وصلت الصور المفصلة إلى الرئيس كينيدي، وبدا له بما لا يدع مجالًا للشك أن الرئيس الروسي في حينها نيكيتا خروشيف قد أخلف وعده بعدم إرسال أسلحة هجومية إلى كوبا. وفي الأيام القليلة التالية قام سلاح الطيران الأمريكي بمهمات استطلاعية فوق كوبا وصل عددها إلى 100، فيما عرف باسم عملية «القمر الأزرق»، في خطوة لكشف أي مواقع عسكرية سوفيتية أخرى بالبلاد؛ ما بدأ أزمة الصواريخ الكوبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وأوقف العالم على حافة الحرب العالمية الثالثة.

الولايات المتحدة تفرض العزل.. بداية أزمة الصواريخ الكوبية

في صباح اليوم الثاني والعشرين من أكتوبر عام 1962 أعلن الرئيس الأمريكي قراره للشعب الأمريكي بفرض الولايات المتحدة حصارًا بحريًا على كوبا لمنع سفن السوفيت من الوصول إلى قواعدهم العسكرية السرية هناك، ولمح إلى استعداد الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية في حال تصاعد الأمور، وهو ما قوبل من طرف الشعب الأمريكي بالصدمة، حتى أن بعضهم بدأ في تخزين الموارد استعدادًا لحرب عالمية نووية وشيكة.

كانت لحظة الحقيقة هي حين تقدمت بوارج سوفيتية قريبًا من البوارج الأمريكية التي تفرض الحصار على كوبا، وبدا واضحًا للجميع أن أية محاولة اختراق للحصار من قبل البوارج السوفيتية تعني نزع فتيل الحرب العالمية الثالثة، لذلك فإن السوفيت تراجعوا في آخر لحظة، وفضلوا عدم التعامل مع القوات الأمريكية.

انصياع الاتحاد السوفيتي ونهاية الأزمة

بالرغم من كل ذلك التوتر الحاصل بين البلدين، فإن القادة استطاعوا التوصل إلى اتفاق مبدئي عن طريق المراسلة. وفي اليوم السادس والعشرين من أكتوبر أرسل الرئيس خروشيف رسالة إلى البيت الأبيض مفادها أن الاتحاد السوفيتي مستعد لإزالة صواريخه في كوبا بشرط أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا، وهو ما قابلته الولايات المتحدة بالقبول الرسمي.

بعدها بيوم أرسل الكرملين إلى البيت الأبيض رسالة أخرى تشرط إزالته للصواريخ الكوبية بإزالة الولايات المتحدة لصواريخها بتركيا، وهو ما ترددت الولايات المتحدة في قبوله، لكنها فعلت في النهاية ما أوصل أزمة الصواريخ الكوبية إلى نهايتها في يوم الثامن والعشرين من أكتوبر من العام نفسه، لتُحفظ هذه الأزمة في التاريخ باعتبارها أقرب لحظة عاشتها البشرية إلى الحرب النووية.

ساسة بوست

اقرأ أيضا: بوتين يرعى التواصل بين الأسد وولي العهد السعودي

شام تايمز
شام تايمز