عن الضربات الأمريكية في سوريا: حرب أم مفاوضات؟
إعداد – رؤى خضور
منذ بداية التدخل الأمريكي في سورية حددت روسيا موقفها الرسمي بأن الوجود الأمريكي يتعارض مع الوجود الروسي والإيراني، وبعد الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة في 26 شباط/فبراير ضد مواقع تمركز لإيران في سورية على الحدود السورية العراقية، ردّ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف “تم إخطار جيشنا قبل أربع أو خمس دقائق من الضربة”.
تعترف روسيا أن أمريكا هي التي منعتها من تحقيق تسوية في سورية، وتلقي على الأمريكيين اللوم في تجدد نشاط داعش في البلاد، باعتبار أن تمركز قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، في المنطقة الصحراوية مكّن المسلحين من التحرك سراً في تلك المنطقة، وبحسب السفير الروسي في سورية ألكسندر يفيموف، فإن “الاحتلال الأمريكي لا يعيق فقط التنمية الطبيعية للموارد اللازمة لإعادة الاستقرار السياسي و الاقتصادي في سورية، بل يمنع أيضاً استعادة سلطة الحكومة الشرعية على الأراضي السورية، مع وجود التطلعات الانفصالية”.
حاولت روسيا فهم أسباب أول عمل عسكري للرئيس جو بايدن منذ توليه منصبه، فقد يكون أحد الأسباب هو الشعور الأمريكي بالإحباط من عدم القدرة على إعادة إيران إلى الاتفاق النووي، وقد يؤدي هذا الإحباط إلى الحرب، وقد يكون سبب الضربة على العكس من ذلك، أي محاولة لتخريب المفاوضات مع إيران، فقد قال نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف إن الولايات المتحدة شنت غارة جوية على الأراضي السورية في وقت تحضيرات مكثفة لاجتماع بين الوفدين الأمريكي والإيراني، بالتالي فإن “المسؤولين في واشنطن اتخذوا التدابير لتعطيل هذا الحدث”، في حين أرجع السناتور أليكسي بوشكوف الهجمات إلى إرادة الإدارة الأمريكية في تمهيد الطريق لإقناع الإيرانيين باتفاق نووي محسّن، فهذا أسلوب الولايات المتحدة الأمريكية الكلاسيكي، وهذه إشارة إلى موسكو وطهران ودمشق والصين وكذلك تل أبيب والرياض، فالنظر إلى الهدف من الضربة بحد ذاته غير مهم، لكن حقيقة الضربة العسكرية على أهداف سورية بعد أقل من 40 يوماً من دخول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض مهمة.
أما بالنسبة لإيران، فلم تقدم الولايات المتحدة حتى الآن “غصن زيتون” لطهران، التي ترى أن الولايات المتحدة تريد، على الأرجح، العودة إلى الاتفاق النووي بشروط جديدة، أولها وقبل كل شيء تغيير سياسة إيران الإقليمية، وإنهاء برنامج الصواريخ.
وفي مقابلة مع كوميرسانت سوشكوف، مدير مركز الدراسات الأمريكية المتقدمة، قال إن “لبايدن، بمهاجمة سورية، عدة أهداف في وقت واحد، فقد أظهر للإيرانيين بتكلفة منخفضة أنه كسلفه ترامب، لن يتسامح مع الهجمات على الأمريكيين، وفي الوقت ذاته، عزز موقف إدارته في الخلاف مع الجمهوريين، الذين كانوا يخشون من أن الإدارة الجديدة قد تقدم تنازلات لطهران، كما أظهر لروسيا أن موسكو لا تسيطر على كل شيء في سورية”.
أما موقع Riafan.ru، فقد ربط الضربة الجوية بإعلان الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، في 18 شباط/فبراير، أن وحدة الناتو في العراق ستزيد بناءً على طلب رسمي من بغداد. قد تشير الضربة الجوية للتحالف إلى أن السبب الحقيقي وراء زيادة عدد قوات الناتو هو القتال ضد الموالين لإيران.
في حين حذر موقع Mk.ru من صراع جديد في الشرق الأوسط وأجرى مقابلة مع الخبير العسكري يوري ليامين، الذي شبه الأعمال العدائية الحالية بالحوادث التي سبقت وأعقبت مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، “بدأ الأمر وقتها بإطلاق نيران على قاعدة للجيش الأمريكي، وقتل مواطن أمريكي، ورداً على ذلك هاجمت الولايات المتحدة القاعدة العسكرية ذاتها على الحدود بين العراق وسورية، وكان عدد الضحايا بالعشرات، ليتظاهر بعدها آلاف المتظاهرين الموالين لإيران أمام السفارة الأمريكية في بغداد “، تبع ذلك مقتل سليماني وضربة إيرانية انتقامية.
ويرى ليامين أن المواجهة مع إيران ستستمر حتى عودة جو بايدن إلى الاتفاق النووي، وإلا فإن إيران وحلفاءها سيستمرون في مهاجمة الأهداف الأمريكية، لأن بايدن ببساطة لم يفعل شيئاً حتى الآن للمصالحة، وإذا لم يبدأ الطرفان المفاوضات في المستقبل القريب، فسيستمر تبادل الهجمات، وقد يتطور إلى صراع حقيقي مثلما حدث قبل عام.
في المقابل، استبعد خبراء روس آخرون احتمال نشوب صراع، ورأوا أن هذه الحوادث العسكرية تنذر ببدء مفاوضات جادة، ويرى ألكسندر شوميلين، رئيس مركز أوروبا والشرق الأوسط في الأكاديمية الروسية للعلوم، أن “احتمال نشوب حرب كبرى بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) وإيران اليوم ضئيل”.
حتى الآن، ما زال من غير الواضح ما إذا كانت البَلدان ستتجهان إلى الاتفاق الذي أُبرم في العام 2015 في عهد باراك أوباما، أم إلى اتفاقية جديدة، خاصة وأنه في الآونة الأخيرة عرض الأوروبيون على إيران الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة حول هذه القضية، ورفضت طهران، لكن هذا ليس أكثر من موقف، ويبدو أن الوساطات بدأت في التوفيق بين مواقف الأطراف، بالتالي لا يوجد سبب لتوقع أي عمليات عسكرية واسعة النطاق، حتى في حال استمرار الضربات الفردية.
أما الخبير في شؤون الشرق الأوسط ميخائيل ماجد، فيعتقد أن هذه الحوادث نموذجية لدبلوماسية الشرق الأوسط التي تجمع بين الأعمال العسكرية والمفاوضات وأن “إدارة بايدن تعتزم العودة إلى الاتفاق النووي”، أي أن المفاوضات جارية لكن الطرفين يضعان الشروط لبعضهما ويستعرضان عضلاتهما، والتلميحات بأن حرب جديدة مقبلة لا أساس لها من الصحة، فالطرفان يظهران لبعضهما فقط أنه لا ينبغي عليك التقليل من شأن خصمك وأن المخاطر كبيرة.
في المحصلة، فإن لكل من الولايات المتحدة وإيران مصالح في الاتفاق النووي، وبالرغم من المكابرة التي تبديها طهران إلا أنها مهتمة في العودة إلى الاتفاق، فالعقوبات تدمر اقتصادها وهذا يهدد بانتفاضة السكان الفقراء، في المقابل فإن بايدن غير مستعد لصراع مع طهران في بداية عهده، إذ إن إدارته الحديثة ما زالت بحاجة لدراسة السياسة الإيرانية ونفوذها في المنطقة قبل أن تُقدم على قرار الحرب، وبالتالي، يريد كلا الجانبين التوصل إلى اتفاق اليوم.
آسيا