السبت , مايو 18 2024
شام تايمز

خالد العبود: الأسد من جامع “العثمان.. وأجوبة الأسئلة الكبرى!!

خالد العبود: الأسد من جامع “العثمان.. وأجوبة الأسئلة الكبرى!!

شام تايمز

كتب خالد العبود

شام تايمز

الأسد.. من جامع “العثمان”..
وأجوبة الأسئلة الكبرى!!!..
عروبة سوريّة – وإسلام السوريين!!..
-لم نكن نتوقّع أبداً هذا الحضور للرئيس الأسد في جامع “العثمان” الدمشقيّ، خلال الأيام القليلة الماضيّة، بحضور أقطاب المؤسّسة الدينيّة، وبخاصة لجهة العناوين التي طرحها، في سياق أسئلة ملحاحة من قبل السوريين، وعليهم، خلال السنوات الماضية من عمر الحرب والعدوان على بلادهم!!..
-لقد أجاب الرئيس الأسد على أسئلة خطيرة جدّاً، كانت مطروحة على السوريين، أو مطروحة من قبل كثيرٍ من السوريين، وهي أسئلة هامة للغاية، فرضتها الحرب عليهم، والعدوان الذي نال منهم، ومن أنساقهم وأفكارهم وثقافتهم، مثلما نال من هُويّتهم الوطنيّة التي جمعتهم عقوداً من الزمن..
-هل كان السوريّون عرباً، وهل ستبقى دولتهم دولة عربيّة، رغم كلّ ما فعل بهم “العرب”، ثمّ ما هو موقع هذه الدولة من الدين، وتحديداً من الدين الإسلاميّ، طالما كنّا نتابع ونراقب من اعتبر أنّ “الدين” كان كاز هذه الحرب، وأصل هذا العدوان، أو كان “الدين” العامل الرئيسيّ في انقسام السوريين، واصطفاف الكثيرين منهم تحت عنوان طائفيّ، زكّى هذه الحرب وأشعلها أكثر فأكثر!!!..
-لقد ظهرت بعد فترة وجيزة على العدوان، عناوين شغلت السوريين، وأشغلتهم، مثل “العلمانيّة”، التي رآها البعض بأنّها مخرجٌ للسوريين، من أسباب كانت وراء الذي حصل لبلادهم، حتّى وصل بالبعض للمطالبة بإلغاء وزارة الأوقاف السوريّة، باعتبارها نموذج وعمود التفرقة، وهي التي تتحمّل، بمن تمثّل، وزر قسمٍ واسعٍ من تبعات العدوان وملحقاته!!..
-أسئلة واسعة وخطيرة جدّاً طرحها السوريون على أنفسهم، سرّاً وعلانيّة، خلال هذه السنوات الأخيرة، حتى بدا واضحاً تماماً أنّ معنى المواطنة السوريّة يهتزّ، وهو يتعرضُ لأخطر تبعات وملحقات الحرب والعدوان عليها، وهذا بدوره ارتدّ بشكل سالب على وحدة السوريين المجتمعيّة، التي سوف تكون أساساً في عدم وحدتهم على مستوى الأرض والتراب..
-نادرة جدّاً هي الأصوات التي انبرت كي تكون في مواجهة هذه الطروحات، في الآن الذي كان كثيرٌ من السوريين، يؤكّدون على معظم العناوين والأسئلة التي لحظناها أعلاه، باعتبار أن نسقاً منهم ذهب بعيداً في التركيز على هذه العناوين والمفاهيم، ومنهم من تبناها وبدأ بالعمل لأجلها، معتبراً أنّ ذلك حقّاً من حقوق السوريين، بعد هذه الحرب والعدوان عليهم، وبعد تلك التضحيات التي قدّموها..
-كثيرٌ من السوريين اعتبروا أنّ كلّ تبعات الحرب علينا، ومادتها، كانت ناتج عناوين مدعومة من قبل الدولة، في مراحل سابقة من عمرها، فالمساجد والمؤسسة الدينية ووزارة الأوقاف والخطاب الدينيّ والكليات والمعاهد الدينيّة والمدارس الشرعيّة، وغيرها، وغيرها، كلّها كانت مدعومة من الدولة، وهي، في نظر الكثيرين، كانت وراء ما حصل في سوريّة!!!..
-كذلك بالنسبة للعروبة، فحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ، وكلّ الأحزاب السوريّة، والتي جلّها يعتبر العروبة مفهوماً يوازي الوطنيّة عند السوريين، والوحدة العربيّة والتضامن العربيّ والقضية الفلسطينيّة، كلّها عناوين شكّلت أساس الروح العقائديّة بالنسبة للسورريين، لكنّها جميعها لم تشفع لهم، ولم تحمِهم من عدوان ساهم “العرب” في جزء منه، أو هكذا يرى كثيرون منهم!!..
-هكذا كان يفكّر بعض السوريين الذين شكّلوا جزء من الجسم الذي دافع عن الدولة، كذلك بالنسبة لبعض السوريين الآخرين، الذين طحنتهم الحرب، وكانوا حطب وقودها، أولئك الذين تهجّروا وتشرّدوا وفقدوا كثيراً ممّا يملكون، وممّن يحبّون، فإنّهم أضحوا كغيرهم، بحاجة لفهم “العروبة” التي عبثت بهم ثم خذلتهم، ولفهم “الإسلام” الذي مزّقهم واستغلّهم..
-نعم.. لقد انعكس ذلك بشكل خطيرٍ جدّاً على روح العقد الاجتماعيّ للسوريين، بخاصة أنّ جزء منهم يريد أن يحمّل جزء آخر وزر ما حصل، تحت عنوان طائفيّ حادّ، وهو بذلك لم ينتبه لخطورة ما يفعله، حين قسم السوريين بشكل غير مباشر، ورسّم المجتمع السوريّ روحيّاً، وفق ما طمحت له أطراف العدوان أساساً!!!..
-المؤسّسات المسؤولة في الدولة غابت تماماً، وبدا أنّ هناك شيئاً مسكوتاً عنه، وفاضت قرائح الكثيرين منّا، بأسئلة مجزومةٍ بأجوبة يقينيّة، أنّ الدولة لن تبقى على ما كانت عليه، خاصة لجهة هُويتها، أو لجهة جذر نظامها العقائديّ، كون أنّ رئيسيّات الحرب والعدوان والضحايا والتشريد والتهجير والدمار الكبير، سوف تساهم في إعادة إنتاج الدولة وفق عناوين جديدة!!!..
-غابت الأحزاب تماماً وغاب المثقفون وغابت النخب، وغاب الفكر والقدرة على اجتراح قراءات موازية قادرة على أن تُدافع عن العروبة وعن الاسلام، بطريقة ثقافيّة وفكريّة تحسمُ هذا الجدال بشكل معرفيّ، فأغلب ما تابعناه وقرأناه لكثيرٍ منّا، كان يعبّر عن موقفه فقط، من هذين العنوانين، وهذه المواقف، في جلّها، كانت مواقف أساسها روحيّ، وهنا نركّز على أغلب، لأنّ البعض منّا كانت له قراءات وآراء هامة مشكور عليها بهذا الصدد، لكنّها لم تجد الحامل السياسيّ والاجتماعيّ لها، للوصول إلى السوريين، لتشكيل وعي كاملٍ فيها..
-في جامع “العثمان” في دمشق، فجّر الرئيس الأسد مفاجآته، ليس من خلال موقف سياسيّ، كان يمكن أن يقوله بطريقة أخرى، أو من مكان آخر، وإنّما في التركيز، معرفيّاً وثقافيّاً، على تلك الأسئلة المريرة التي غلبت على بعض السوريين، حين ثبّت واحدة هامة جدّاً، وهي أنّ العروبة والإسلام هما هدفان من أهداف “الليبراليّة الحديثة”، وبالتالي فإن النيل منهما كان هدفاً من أهداف العدوان على السوريين، ولو لم تكن عروبة سوريّة قد أزعجت الآخرين لما شنّوا حربهم عليها، كما أنّ إسلام بلاد الشام، لو لم يكن فيه إضافة القيمة، وشكّل وزناً وطنيّاً واجتماعيّاً في حياة السوريين، لما كان هدفاً من أهدافها أيضاً!!!..
-لم يستطع أحدٌ أن يوضّح هذه المسألة الهامة والخطيرة، أو دعونا نقول بأنّ أحداً من العالم العربي والإسلاميّ، لم يستطع أن يقارب الفكرة من هذه البوابة، نعم “الليبراليّة الحديثة”، كانت العروبة هدفاً من أهدافها، وكان الإسلام والمسلمون هدفاً آخر من أهدافها، أو كما قال الرئيس الأسد!!!..
-ماذا يعني ذلك عند الرئيس الأسد، وهذه واحدة سوف يذكرها التاريخ جيّداً، يعني أنّ العروبة بريئة ممّا حصل في سوريّة، وأنّ الإسلام بريء ممّا حصل في سوريّة، نعم، والاستنتاج هنا للرئيس الأسد، هناك “عربٌ” ساهموا بالحرب على سوريّة، وهناك “مسلمون” ساهموا بهذه الحرب أيضاً، لكن العروبة بريئة منهم، والإسلام كذلك بريئ منهم أيضاً!!..
-لقد استطاع الرئيس أن يبني موقفه هذا على مقدّمات معرفيّة هامة جدّاً، عرّف من خلالها العروبة، باعتبارها معنى حضاريّ يتجاوز العرب أنفسهم، وهو معنى غير عرقي أو عنصريّ، كما أنّه عرّف الإسلام، باعتباره الناظم الروحي والأخلاقيّ للمجتمع، وخاصة المجتمع الحضاريّ للعروبة..
-ورأى الرئيس الأسد أنّ العروبة بهذا المعنى هي المستهدفة، والإسلام كذلك، وأيّ استجابة لهذا الاستهداف من قبلنا، هذا يعني بالضرورة أنّنا التقينا بأهدافنا مع أهداف العدوان، بخاصة أنّ هناك عدواناً أعمق، وهو مشغول عليه منذ عقود، للنيل من أبناء وشعوب هذا الشرق، من خلال نمو غير طبيعيّ، لـ “الليبراليّة الجديدة”!!..
-لقد وضّح الرئيس الأسد واحدة من الاستراتيجيات التي اتبعتها “الليبراليّة الجديدة”، وصولاً إلى شعوب بلا دين، أو بلا عقيدة، كي يسهل عليها تنميط هذه الشعوب، ووصولاً إلى شعوب بلا حضارة، كي تخلق لها حضارة جديدة، يُسيْطَر عليها من خلالها بطريقة سهلة وسلسة، وبالتالي تُقاد وتُنهب، ولا تبدو منها أيّ مقاومة للدفاع عن حقوقها ومصالحها، في وجه قوى صاعدة بفضل هذه “الليبراليّة الجديدة”..
-الاضافة الجديدة للرئيس الأسد، أنّه ربط “الليبراليّة الجديدة” بالمجتمع، والاستراتيجية الخطيرة التي اتبعتها في سبيل إعادة إنتاج المجتمعات، تمهيداً لعناوين أخرى، سياسيّة واقتصاديّة، وهي واحدة لم ينتبه لها الكثيرون، خاصة في ظلّ تسويق وتسليع “الليبراليّة” باعتبارها النظام الفكريّ الهام، لتجاوز كثيرٍ من عيوب الأنظمة الأخرى..
-بهذا المعنى يؤكّد الرئيس الأسد، أنّ سوريّة العربيّة، والعروبة، وسوريّة المسلمة، والإسلام، هم المستهدفون، بخاصة وهو يوضّح هذا الاستهداف، بقوله إن العروبة مستهدفةٌ من خلال ضرب “الليبراليّة الجديدة” لأيّ عنصر حضاريّ تاريخيّ جامع، لشعب من شعوب العالم، بتأكيدها على صراع الحضارات وموت الأيديولوجيا، ومن خلال ضربها أيضاً للبنى الصغرى في مجتمعات هذا الشرق، والنيل من رئيسياتها العقائديّة، في تفكيكها للأسرة ومفهوم العائلة الذي يعتبر الوحدة الأرأس في بناء المجتمعات!!..
-وعليه فإنّ الرئيس الأسد يثبّت واحدة هامة ضمن هذا الصراع الكبير جدّاً، وهذا العدوان الذي لم ينتهِ حتى اللحظة، وهي عروبة سوريّة، معتبراً أنّ من يسعى لغير ذلك، فهو غبيّ أو عدوٌ، ويلتقي بسعيه مع العدوان وأهدافه، من حيث يدري أو لا يدري!!..
-والرئيس الأسد لا يكتفي هنا بعروبة الدولة، وإنّما يذهب أبعد من ذلك، إلى عروبة المجتمع، فيرى أنّ المجتمع السوريّ بكلّ أطيافه هو ناتج الحضارة العربيّة، بمعنى أنّه مجتمعٌ أنتجته الثقافة العربيّة، والتي هي أخيراً ليست ثقافة خاصة بالعرب وحدهم، بمقدار ما هي ثقافة حضارة ساهمت فيها شعوبٌ عديدة غير العرب، كان روحها الإسلام، وعمود رافعتها اللغة..
-كذلك يثبّت الرئيس الأسد الثانية الهامة جدّاً، بأنّ الإسلام في سوريّة سوف يبقى كما كان، بالنسبة للدولة والمجتمع، معتبراً أنّ أولئك الذين حملوا السلاح باسمه، في وجه الدولة والمجتمع، إنّما هم حملوا السلاح للقضاء على الاسلام الذي كان حارساً لأخلاق المجتمع وعلاقته بالدولة، وهو هدف “الليبراليّة الجديدة” التي كانت تصرّ على ضرب حارس الأخلاق في كل المجتمعات الأخرى، لسلبها ونهبها والسيطرة عليها..
-ويصرّ الرئيس الأسد على تفصيل هامٍ في بنية الدولة، طالما تعرّض هذا التفصيل للنقد والهجوم الكبير، وهو “المؤسسة الدينيّة”، من خلال حواملها المجتمعيّة، ويقول بأنّ هذه المؤسسة كانت وراء وأد الفتنة بين السوريين وقبرها، مثلما كانت المؤسسة العسكرية وراء عدم سقوط الدولة!!!..
“يتبع”..

شام تايمز
شام تايمز