الرئيس اليمني السابق: الذكرى الـ 20 لوفاة الرئيس حافظ الأسد.. وقصة اللقاء الاول
كتب الرئيس اليمني السابق علي ناصر محمد الحسني
إن رجلاً في مكانة حافظ الأسد يترك تأثيراً لا يُنسى على التاريخ، وعلى السياسة، وعلى من أتاح لهم القدر أن يلتقوا به.. وقد كنت من الذين جمعهم القدر مع الراحل الكبير.. وتعود معرفتي الشخصية بهذا القائد الفذ إلى نيسان – أبريل عام 1970 حين كان وزيراً لدفاع، وقبيل الحركة التصحيحية في تشرين من نفس العام.. وكنت قادماً من عدن للقائه بوصفي وزيراً للدفاع لليمن الديمقراطية.
كان هذا أول لقاء لي بحافظ الأسد، وأذكر انه ترك في نفسي انطباعات رائعة منذ ذلك اللقاء. إذ كان الراحل العظيم يتمتع بصفات نادرا ما يتمتع بها القادة الذين يتحملون أعباء ومسؤوليات كتلك التي تحمّلها حافظ الأسد. ورغم أن حافظ الأسد بوصفه وزيرا للدفاع وقائدا لسلاح الطيران في مرحلة كانت سورية كلها ما تزال مهمومة بإزالة آثار نكسة حزيران وإعادة بناء قواتها المسلحة، فقد منحني من الوقت وأنصت إليّ باهتمام شديد، كانت تلك ميزة يتمتع بها القائد الراحل. وكان على شيء من الرقة واللطف، مع ذاكرة مذهلة وقدرة على التركيز الذهني قل مثيلها.
كان هادئ القسمات، خافت الصوت مع وضوح النبرة، وكان كريماً أيضا في المساعدات التي طلبتها لبلادي، لم يتردد رغم الظرف الصعب الذي تمر به سورية والذي كنت أعرفه، بل لبى كل ما طلبناه لتعزيز القدرة العسكرية لقواتنا المسلحة التي كانت في طور النشأة والتكوين بعد ان نال اليمن الجنوبي استقلاله الوطني من الاستعمار البريطاني في نوفمبر 1967م كانت معركته قومية في الأساس وكان هذا المنطلق من ثوابته.. ولذا لعب الخبراء السوريون الذين رافقوني على نفس الطائرة التي أعادتني إلى عدن دوراً هاماً في إنشاء الكلية العسكرية في عدن كأول أكاديمية عسكرية تدرس العلوم الحديثة، كما قدموا عونا لا يقدر بثمن في إعادة بناء القوات المسلحة ووضع القوانين والتشريعات المتعلقة بوزارة الدفاع وتنظيم مختلف الأسلحة. كما أرسل عدد من الطيارين والمدربين على الطائرات الروسية ميغ 17 قبل عودة طيارينا من التدريب في الاتحاد السوفياتي، وأرسل أيضاً بعثة طبية لإدارة المستشفيات العسكرية..
بعد ذلك توالت اتصالاتي بالراحل، وتكررت لقاءاتي به، وكنت أحرص على الدوام خلال زياراتي إلى الخارج خاصة بعد ان أصبحت رئيساً للوزراء ورئيساً لبلادي فيما بعد على ان تكون دمشق محطة مهمة فيها، ولقاء الرئيس الأسد في الصدارة دائماً. وكان رحمه الله مغرماً بالتاريخ وقارئاً جيدا له، وبقدر ما كان يتحدث عن موقف سورية ورؤيتها، فانه كان يبدي حرصا شديدا على التعرف على تطورات الأوضاع في اليمن والخليج العربي وحرصا شديدا على استقرار الأوضاع في هذه المنطقة الحيوية، وكان يعرف الكثير من أوضاعها ويتابعها بدقة، ويرى في وحدة اليمن وعلاقات حسن الجوار والتعاون مع محيطها في الجزيرة والخليج خير دعم لسورية ولدول المواجهة في صراعها القومي مع العدو الإسرائيلي.
وقد تعددت لقاءاتي بالرئيس الراحل بعد ذلك في العديد من المناسبات والمنعطفات الحاسمة سواء بالنسبة لسورية أو بالنسبة لليمن أو لي شخصياً، وفي كل المواقف، وفي أصعب الظروف فان الرئيس الأسد أبدى على الدوام دعماً وتأييدا لليمن ولقضاياه وعلى رأسها الوحدة اليمنية، وأبدى معي تعاطفا لا حدود له في الأوقات الصعبة والمحن الشديدة، وكان هذا نوعا من الوفاء النادر للأصدقاء قلما نجد له مثيلاً في هذا الزمن الصعب.
ورغم أنني زرت العديد من عواصم العالم، والتقيت العديد من زعمائه عربا وأجانب، فان دمشق والرئيس الأسد يظلان في قلبي ووجداني وفكري إلى درجة أنني اخترت دمشق مقراً لإقامتي وأسرتي بعد مغادرتي السلطة واليمن ومقرا للمركز العربي للدراسات الاستراتيجية الذي أسسته بدعمه ومساندته، وعقدنا المؤتمر التأسيسي له في دمشق تحت رعايته الكريمة في أبريل- نيسان عام 1995م.
لقد ودَعت سورية منذ عشرين عاماً باني نهضتها الحديثة، الرئيس حافظ الأسد، بأكثر ما يمكن لبلد أن يودع به قائده.. بالوفاء والعرفان… فعلت ما هو ابعد، فقررت تكريس نهجه والاستمرار على خطاه، من خلال إجماعها على نجله الدكتور بشار الأسد.
عشرون عاما مرت على غياب الرئيس حافظ الأسد، لم يعد المشهد كما كان في حياته، جرت أمور كثيرة في سورية واليمن وليبيا ولبنان وفلسطين وفي أماكن أخرى من الوطن العربي والعالم، لكن سورية ظلت في قلب الأحداث كما كانت، ولازال الصراع يدور عليها وحولها وهي دائماً عصية على الكسر، وهذا قدرها باعتبارها صانعة السلام والحرب، فلا حرب بدونها ولا سلام أيضاً بدونها. ووسط هذه العواصف يكون غيابه مؤلماً..
* دامت فترة رئاسة علي ناصر محمد للجمهورية اليمنية من 21 أبريل، 1980 وحتى 24 يناير، 1986.
إقرأ أيضاً: بعد أن أعلن أنه الرئيس القادم لسوريا, والدة الشرتح تتبرأ منه.. شاهد
رأي اليوم بتصرف