الإثنين , أبريل 29 2024
شام تايمز

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

شرقي المتوسّط.. مواجهة عسكرية قريبة؟

شرقي المتوسّط.. مواجهة عسكرية قريبة؟
أعاد التصعيد الأخير من جانب تركيا شرقي البحر المتوسّط الأنظار مرّة أخرى إلى هذه المنطقة، التي باتت أشبه بساحةٍ مفتوحةٍ على معارك مُحتمَلة تختلط فيها السياسة بالتصعيد الميداني والتهديدات العسكرية. قبل مُراجعة الوضع الميداني الحالي على المستوى البحري شرقي المتوسّط، لابدّ أولاً من أن نُعرِّج على أسباب الأهمية الإستراتيجية المُتزايدة لمنطقة شرقي البحر المتوسّط، خاصة في ما يتعلّق بالاحتياطيات الضخمة من الغاز التي تمّ اكتشافها فيها.
كنزٌ من الغاز تحت أمواج شرقي المتوسّط
حسب تقديرات هيئة المَسْح الجيولوجي الأميركية عام 2010، فإن التقديرات المبدئية لاحتياطيات الغاز الموجودة في هذه المنطقة تصل إلى 340 تريليون قدم مكعب، بما يمثّل واحداً بالمائة من الإحتياطيات العالمية المُكتَشفة حتى الآن، وقد دخلت هذه المنطقة منذ أواخر تسعينات القرن الماضي في سلسلةٍ من الاكتشافات المُتتالية لعددٍ من حقول الغاز، جعلتها حالياً قابَ قوسين أو أدنى من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، وتبوّؤ مكانة تصديرية وتصنيعية مهمّة على المستوى الدولي.
إسرائيل كانت أول مَن بدأت هذه الاكتشافات عام 1999 في حقليّ “نوا” و”ماري بي”، اللذين تصل احتياطيات الغاز فيهما إلى نحو 32 مليار متر مكعب، ويؤمّنان حالياً نحو نصف احتياجات الأراضي الفلسطينية المحتلة من الغاز، عقب ذلك بعام تمّ اكتشاف حقل غزَّة البحري الذي يبُعد عن ساحل قطاع غزَّة نحو 30 كيلومتراً، وتُقدَّر الاحتياطيات الموجودة فيه بنحو 30 مليار متر مكعب، ولم يتمّ تفعيله حتى الآن بسبب مُطالبة السلطة الفلسطينية به.
في كانون الثاني/يناير 2009، تمّ اكتشاف حقل “تامار” على بُعد 90 كيلومتراً من ساحل فلسطين المحتلة، باحتياطياتٍ تبلغ أكثر من 280 مليار متر مكعب، وفي حزيران/يونيو 2010 تمّ الكشف عن حقل “ليفياثان” على بُعد 135 كيلومتراً من ساحل فلسطين المحتلة، ووصلت الاحتياطيات المُقدَّرة من هذا الحقل إلى نحو 566 مليار متر مكعب، ما جعله حينها الحقل الأكبر في شرقي المتوسّط. عام 2012 تمّ اكتشاف حقل “تانين” الذي بلغت تقديرات احتياطياته 1.2 تريليون قدم مكعب.
قبرص في شقّها اليوناني، تنبَّهت مُبكِراً أيضاً لأهمية الاحتياطيات الغازية الموجودة في جرفها القارّي ومنطقتها الإقتصادية الخاصة التي أعلنت عنها عام 2004، وقد قامت بتقسيم جزء من هذه المنطقة، وهو الواقع في المناطق الجنوبية الشرقية والجنوبية والجنوبية الغربية للجزيرة المُقسَّمة إلى شطرين، قسَّمتها إلى ثلاثة عشر قطاعاً، طرحت عدداً منها من أجل مَنْحِ رُخَص للتنقيب عن الغاز فيها، وهذا نتج منه الكشف الأكبر حتى الآن في المنطقة الاقتصادية القبرصية وهو حقل “أفروديت” الواقع في القطاع الثاني عشر على بُعد 180 كيلومتراً من الساحل القبرصي، و65 كيلومتراً غربي حقل ليفياثان الإسرائيلي، وتُقدَّر احتياطياته من الغاز بنحو 254 مليار متر مكعب، وتبعه اكتشاف حقلين آخرين، الأول هو حقل “كاليبسو” في القطاع السادس، وحقل “Glaucus1” في القطاع العاشر وتقدير احتياطياته بنحو 227 مليار متر مكعب. كذلك تمّ اكتشاف مجموعة حقول في القطاع الثالث الأقرب إلى القسم الشمالي من الجزيرة القبرصية تحت إسم “Cuttelfish”، منعت تركيا عام 2008 محاولات التنقيب في محيطها.
اقرأ المزيد في قسم الاخبار
سوريا ولبنان كانا ومازالا غائبين عن هذا المشهد، فسوريا التي سبق وفتحت باب مَنْحِ رُخَص للتنقيب في مقابل سواحلها عام 2007، لم تسمح ظروفها في السنوات اللاحِقة من تفعيل هذا التوجّه بشكلٍ يسمح ببدء التنقيب والاستخراج.
لبنان من جانبه قام بتقسيم المنطقة المُحاذية لسواحله إلى عشرة قطاعات، تشير التقديرات الأميركية والنرويجية إلى أنها تحتوي على ما بين 25 و90 تريليون قدم مكعب من الغاز. وقد حاولت بيروت بعد ذلك مَنْح رُخَص للتنقيب لشركات إيطالية وفرنسية وروسية في القطاعين التاسع والرابع، لكن الاعتراض الإسرائيلي على هذا، خاصة في ما يتعلّق بالقطاع التاسع المُتنازَع عليه، جعل عمليات التنقيب والاستخراج غير مُمكِنة في الوقت الحالي.
المواجهة المصرية التركية.. مصر تفوز

تركيا ومصر كانتا على مسارٍ مُتناقضٍ في ما يتعلّق بالنجاح في استغلال تموضعهما الحالي لتحقيق أفضل استفادة من الثروات الحالية في شرقي المتوسّط، فمصر التي لاحظت الخلافات المُتصاعِدة بين اليونان وقبرص وإسرائيل من جهة، وتركيا من جهةٍ أخرى، بدأت مساراً طويلاً يستهدف وصولها إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً رئيسياً وفريداً من نوعه شرقي المتوسّط لإسالة وتصدير الغاز.
هذا المسار بدأ عام 2013 بترسيم الحدود البحرية بين القاهرة وقبرص، وهو ما أسفر عن اكتشاف حقل “ظهر” الغازي عام 2015، والذي يقع على بُعد 190 كيلومتراً شمالي مدينة بورسعيد المصرية، وتُقدَّر احتياطياته بنحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، ليصبح بذلك هو الحقل الأول شرقي المتوسّط على مستوى الاحتياطيات المؤكَّدة.
تبعت هذا الكشف سلسلة من الاكتشافات المهمة في نفس العام، مثل حقل “آتول” الذي يتكوَّن من ثلاث آبار، ويقع على مسافة 90 كيلومتراً شمالي مدينة دمياط، ومجموعة حقول تقع شمالي مدينة رشيد على بُعد 65 كيلو متراً من الساحل، تبلغ احتياطياتها من الغاز نحو 5 تريليونات قدم مكعب من الغاز، ومؤخّراً تمّ الكشف عن حقلٍ غازي تحت إسم “نور” يقع على بُعد 50 كيلومتراً شمالي مدينة العريش المصرية في شمال سيناء، وتبلغ احتياطياته الأولية ما بين 5 إلى 10 تريليونات قدم مكعب.
بالتوازي مع هذه الاكتشافات، بدأت مصر في نسج علاقات مُميّزة مع كلٍ من اليونان وقبرص، وشكَّلت في أوائل العام الجاري مُنتدى غاز شرق المتوسّط، الذي ضمّ في عضويّته بالإضافة إلى مصر واليونان وقبرص، كلاً من السلطة الفلسطينية وإسرائيل وإيطاليا والأردن. لتصبح بذلك تركيا معزولة كلياً عن جهود استغلال الثروات الغازية في شرقي المتوسّط.
العلاقات المصرية مع اليونان وقبرص شهدت طفرة كبيرة، حيث يعقد قادة الدول الثلاث اجتماعات قمّة دورية كان آخرها منذ أيام، وكذلك مناورات بحرية وجوية سنوية تحت إسم “ميدوزا”، وهنا تحاول مصر نسج معالِم الخطوة الأخيرة في تحوّلها إلى مركزٍ اقليمي للغاز في المنطقة، وذلك عن طريق الاتفاق مع قبرص واليونان على مدّ خط أنابيب بينهما وبين مصر، من أجل استغلال الإمكانيات المصرية المتوافرة في مجال إسالة الغاز في منشأتي إدكو ودمياط، كجزءٍ من اتفاقٍ أوسع يتمّ بموجبه مدّ خط أنابيب بحري تحت إسم “أيست ميد”،
يبدأ من فلسطين المحتلة مروراً بقبرص واليونان وكريت وصولاً إلى إيطاليا وأوروبا، وهذا كله سيجعل من مصر محطّة إقليمية لإسالة وتصدير الغاز من البحرين المتوسّط والأحمر، نظراً لأن خط “إيست ميد” غير مضمون تدشينه في المدى المنظور، لتكلفته الكبيرة التي تتجاوز سبعة مليارات دولار، ما سيجعل من خط الأنابيب المُزمَع إنشاؤه من قبرص إلى مصر الوسيلة الأضمن والأسرع لإسالة وتصدير الغاز في منطقة شرق المتوسّط.
هذه الإستراتيجية المصرية تستفيد من الفشل الذي شابَ الجهود التركية كي تكون أنقرة مركزاً أقليمياً لإسالة وتصدير الغاز، وبوابة لمرور خطوط الغاز من سوريا والعراق والأردن ولبنان إلى أوروبا، ففكرة مدّ خط للأنابيب من سوريا إلى تركيا ومن ثم إلى اليونان وكريت، وصولاً إلى خط أنابيب البحر الأدرياتيكي وإيطاليا تمّ إجهاضها بشكلٍ تام بعد التوتّر الحالي في العلاقات بين أنقرة وكل من دمشق وأثينا، كما أن تدهور العلاقات بين تركيا و”إسرائيل” منع إقامة خط أنابيب بحري كان سينقل الغاز من حقل “ليفياثان” إلى ميناء جيهان التركية، لضخّه في خط الأنابيب العابِر للأناضول وممر الغاز الجنوبي القادم من أذربيجان.
وبالتالي خرجت بهذا تركيا تماماً من السباق مع مصر حول مَن يكون هو المركز الإقليمي للغاز في شرق المتوسّط، وفي أحسن الأحوال لم يعد أمامها سوى تطوير خط “ترك ستريم” الذي سيربط بينها وبين روسيا، والذي أيضاً يواجه مصاعب في ما يتعلّق بالمرحلة التالية منه المُتّجهة إلى أوروبا، بالإضافة إلى خط أنابيب غاز طبيعى تبريز- أنقرة، وخط أنابيب باكوــ تبليسىــ أرضروم الذي ينطلق من حقل شاه دينيز في أذربيجان وعبر جورجيا وإلى تركيا
توزيع المناطق والأدوار شرقي المتوسّط
انتقلت تركيا منذ آذار/مارس من العام الجاري إلى دور آخر، تقوم فيه بمحاولة تحصيل أية مُكتسبات في حقول الغاز شرقي المتوسّط، حتى ولو كان هذا التحصيل يتمّ بمواكبةٍ بحريةٍ مسلّحةٍ وضد إرادة الدول المجاورة لها، فبدأت على مرحلتين عمليات للتنقيب والبحث في مناطق مُتعدِّدة شرقي وجنوبي وغربي قبرص.
تركيا لا تعترف باتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص، وعلاوة على ذلك تدَّعي أن حقوقاً لها في القطاعات الأول والرابع والخامس والسادس والسابع من قطاعات المنطقة الإقتصادية التابعة لقبرص اليونانية، وأضافت إلى ذلك أيضاً المنطقة الإقتصادية التي أعلنتها قبرص التركية والتي تشمل قطاعات في المنطقة الإقتصادية التابعة لقبرص اليونانية وهي القطاعات الأول والثاني والثالث والثامن والتاسع والثاني عشر والثالث عشر.
بناء على ذلك كانت المرحلة الأولى من عمليات التنقيب والبحث التي أطلقتها تركيا في آذار/مارس 2019، حيث تمركزت سفينة التنقيب “فاتح” على مسافة تبلغ 80 كيلومتراً من ساحل مدينة بافوس جنوب غرب قبرص، في منطقةِ بحثٍ تُسمَّى “فينيك1” تقع ضمن المنطقة الاقتصادية القبرصية اليونانية، وكذلك تمركزت سفينة التنقيب “يافوز” شرقي جزيرة قبرص وتحديداً قرب جزيرة “كارباس”، وتُضاف إليهما سفينة البحث السيزمي “بارباروس” التي تعمل في شرقي المتوسّط منذ عام 2014، لكنها منذ أوائل العام الجاري بدأت في تركيز أبحاثها على القطاعات الأول والثاني والرابع والثامن والتاسع والثاني عشر من قطاعات المنطقة الاقتصادية القبرصية اليونانية.
المرحلة الثانية من هذه العمليات بدأت منذ أيامٍ قليلة، حيث يتمّ حالياً في ميناء أنطاليا تجهيز سفينة البحث السيزمي “Orucreis” تمهيداً لدخولها إلى منطقة شرق المتوسّط للعمل جنباً إلى جنب مع سفينة “بارباروس”، كما انتقلت سفينة التنقيب “يافوز” من شرقي قبرص إلى القطاع السابع ضمن المنطقة الاقتصادية القبرصية اليونانية شمال غرب قبرص، والتي حازت سابقاً شركتا إيني وتوتال على امتياز التنقيب فيه، ومازالت سفينة التنقيب “فاتح” في موقعها السابق شمال غرب قبرص، ويتوقّع أن تنتقل قريباً إلى البحر الأسود.
حَشْدٌ عسكري مُتزايِد
تواكب عمليات التنقيب والبحث التركية مجموعة من القِطع التابعة للبحرية التركية، منها فرقاطات من الفئة “Gaziantep”، وكورفيتات من الفئة “Bozcada”، وسفن هجومية من الفئة “Kilic”، وزوارق دورية من الفئة “Type80”. بجانب عمليات استطلاع جوي مستمر بطائرات من دون طيّار من نوعي “بيراقدار” و”أنكا” وطائرات الاستطلاع الإلكتروني “E-7T” لمناطق شرقي وغربي قبرص وشرقي اليونان. اليونان من جهتها أدخلت إلى شرقي المتوسّط منذ أيام غوّاصة من الفئة “Type 214” للقيام بمهام الدورية الدائمة، بالإضافة إلى طلعات استطلاع بطائرات من دون طيّار من نوع “Pegasus2” وطائرات الإنذار المُبكر “EMD-145”.
هذا التوتّر ألقى بظلاله بشكلٍ كبيرٍ على المواجهات العسكرية بين الجانبين خلال الأسابيع الماضية، فمنذ أواخر آب/أغسطس الماضي، دخلت الوحدات الجوية بين الجانبين بمواجهاتٍ شبه يومية، حيث تُقلِع طائرات سلاح الجو اليوناني من نوعيّ “أف16″ و”ميراج2000” من قواعد “سودا” و”ليمانوس” و”سكايروس”، لمواجهة الاختراقات اليومية من جانب سلاح الجو التركي بطائرات “أف4″ و”أف16” من قواعد “Balikesir” و”Eskisehir” للمجال الجوي اليوناني في بحر إيجة وجزيرة رودس. كما لوحِظ خلال الأسابيع الماضية، تعزيز تركيا لوحداتها في شمالي قبرص، حيث نقلت ما يُناهِز 40 دبّابة من نوع “”ليوبارد أيه4” إلى منطقة “Kythrea” التي تبُعد عشرة كيلومترات من نيقوسيا.
على الرغم مما سبق، ومن احتفاظ البحرية المصرية بتشكيلٍ بحري قتالي يُرابِط بشكلٍ دائمٍ في محيط حقل “ظهر النفطي”، يتكوَّن من غوّاصة وسفينة إنزال برمائي وزوارق صواريخ ودورية وفرقاطة ثقيلة، إلا أن احتمالات المواجهة العسكرية تبدو أكبر بين فرنسا وإيطاليا من جهةٍ وتركيا من جهةٍ أخرى، لأنهما مُتضرّرتان بشكلٍ مباشرٍ من النهج التركي، سواء في عملية اعتراض التنقيب في القطاع الثالث شرقي قبرص عام 2018، أو في إرسال تركيا لسفينة تنقيب في القطاع السابع الذي تحوز إيطاليا وفرنسا على حق التنقيب فيه.
وربما أكثر ما يدلّ على ذلك إرسال فرنسا لفرقاطة من الفئة “لافاييت” قامت بمناوراتٍ غير مسبوقةٍ مع البحرية القبرصية، شملت القطاعات السادس والسابع والعاشر والحادي عشر جنوبي غرب قبرص، وهي رسالة فرنسية ربما تتبعها رسائل أخرى، قد تتطوّر إلى مواجهاتٍ بحريةٍ محدودةٍ إذا ما استمرّ النهج التركي شرقي المتوسّط على حاله.
محمد منصور_الميادين

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز