الأحد , مايو 12 2024
شام تايمز

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

خالد العبود: حين حمل سوريٌّ صليبه إلى قصرٍ بغداديّ.. وصفّق له “إمام الحرمين”!!..

خالد العبود: حين حمل سوريٌّ صليبه إلى قصرٍ بغداديّ.. وصفّق له “إمام الحرمين”!!..

شام تايمز

خالد العبود

شام تايمز

دخلنا “قاعة القدس” في مبنى البرلمان العراقي، وهو مبنى ضخم جدّاً، بناه “صدّام حسين”، وأقام به الأمريكيون سنوات عديدة، حتى سلّموه للعراقيين، والذين بدورهم حوّلوه إلى مبنى خاصٍ بالبرلمان العراقي..

قصرٌ من قصور الرئاسة الضخمة والكبيرة، حيث كان “صدام حسين” يقضي نهار عمله فيه، مع طاقم رئاسيّ كبير أيضاً، وهو على رقعة واسعة من أرض بغداد بالقرب من شاطئ “دجلة”، يحتوي على عدّة كتل بناء تحاكي تاريخاً عريقاً لأرض بلاد الرافدين، لا تدخلها دون أن تقف مدهوشاً أمام هذا الكبر الذي كان محشواً به عقل وفكر من كان وراء هذه التفاصيل الدقيقة في إنجاز هذا القصر أخيراً..

فُتحت لنا الأبواب ضمن موكبٍ طويل، وسيارات مصفحة بقوّة، وحراساتٍ كبيرة وعديدة، ومراسم أقرب إلى العنوان الأمني منها إلى أيّ عنوان آخر، يبدو واضحاً تماماً أنّ الأمريكيّ لم يستطع حتى على تأمين أمن “المنطقة الخضراء”، باعتبار أنّ “القصر” الذي نتحدّث عنه يقع ضمن ما أطلق عليه الأمريكيون “المنطقة الخضراء”!!..

دخلنا “قاعة القدس” الواسعة والفارهة والضخمة، وهي اسم يليق بمسمى، حيث قيمة المكان عالية، والموجودات جميعها تحاكي حجم الموقع في ذاكرة من سمّى، إضافة إلى تحفٍ وزخارف وأثاث مشغول بوجدان عريق جدّاً، والإنارة التي وزّعت توزيعاً مدروساً، والجدران التي امتلأت بلوحات جدارية، تعبيراً عن مكانة القدس وموقعها، أما السقف الذي أعدّ بطريقة متداخلة، ثم بدوائر متوالدة بشكلٍ هندسيّ عريق وضخم جدّاً، مضاءة بطريقة سلسة ومغطّاة بالزخارف التي تداخلت حتى بدت تحفة تحتوي تحفاً عديدة..

أمّا الكتلة الرئيسيّة في السقف فتحتوي على عمق بيضويّ مُنارٍ بشكل جميل وأخّاذ، يستطيع اختزال كلّ ما في القاعة، حيث رسومات كبيرة جدّاً لخيول واثبة متحفّزة كلّها باتجاه واحد محيطة بهدف مقصود، والهدف هنا هو لوحة للمسجد الأقصى تعبيراً عن القدس، باعتبارها المعنية أصلاً بكلّ هذا التكثيف المكانيّ!!..

أبواب سبعة ضخمة مفتوحة على بهو القاعة، مشغولة من الخشب والزجاج المقوّى جدّاً، زجاج يخفي خلفه معدنا ذا كتل ضخمة، يبدو للوهلة الأولى أنّه من معدن الذهب، لكنني كنت مقتنعاً أنّه ليس كذلك، أيّ أنّه ليس ذهباً، ليس لمعرفتي بالذهب من عدمها، وإنّما لمعرفتي بأنّ من دخل هذا المكان لم يكن أمينا بعد سقوط بغداد في 2003م، وأنّ هذا المعدن لو كان ذهباً لكان قد نُهب من قبل عصابات الأمريكي ومن كان يصفّق لها!!!..

كانت الأرض مغطّاة بقطعة سجّاد واحدة، أعدّت من أجل هذا المكان خصيصاً، في حين أنّ الجدران والأعمدة كانت مشغولة بحجر يختزل العظمة والقوة والمتانة وتاريخيّة المكان، ومملوء بالصمت والتحدّي والبهاء، نعم بالصمت الهادئ الرزين، والتحدّي المليء بالثقة الكاملة على الصمود والبقاء، ففاض عظمة وحضوراً وبعداً إضافيّاً كان ذا دلالة حاسمة لجهة أنّ من أعدّ هذا المكان إنّما أراد له أن يكون امتداداً لما أعدّته أكبر الحضارات عبر التاريخ!!..

افتُتح المؤتمر بقراءة قرآنيّة تحاكي العنوان المعلن عنه، ثم رحّب رئيس مجلس نواب العراق بالوفود جميعها، وتتالت كلمات رؤساء الوفود، “السعودية، الكويت، تركيا، الأردن”..

كانت الكلمات الأربع الأولى عادية ليس فيها شيء ممّا كانت تتبناه هذه الدول، خلال السنوات الأخيرة من عمر المنطقة، فلا “ثورة” ولا “ربيع عربيّ”، كلّ ما يحصل على مستوى المنطقة إنّما هو “إرهاب”، لكنّ أحداً لم يجرؤ على تحديد مصدر هذا “الإرهاب”، فقد اكتفى الجميع بتحميل حريق المنطقة على “إرهاب” مجهول الهوية والمصدر!!!..

لم يجرؤ أحدٌ على أن يحدّثنا عن دوره في أنهار الدماء التي سالت على مستوى المنطقة، ولم يجرؤ أحدٌ من رؤساء هذه البرلمانات أن يقول لنا عن حقيقة دوره في العدوان على السوريين أو العراقيين، يا الله كم كانوا “إنسانيين” وأصحاب قلوب “رحيمة”، يا ألله كم كانوا “لطفاء” وكم كانت ابتساماتهم “ودودة” ونظراتهم “بريئة”، هم لا يعرفون شيئاً عن آلاف الإرهابيين الذي جمعوهم من كلّ بلدان العالم، ولا يعرفون شيئاً عن المليارات التي دفعوها لحريق الدولة والمجتمع السوريين، وليس لهم علاقة البتّة بسنوات من الحصار والقتل والذبح والتضييق على السوريين لطردهم من كلّ المحافل والمؤسسات العربية والدولة، وليس لهم علاقة البتّة بسنوات من محاولاتهم تقسيم سوريّة والعدوان عليها بكلّ ما ملكوا وآتوا من قوّة!!..

ثم جاء دور كلمة سورية، حيث ألقاها الأخ العزيز الأستاذ حمودة صباغ رئيس مجلس الشعب السوري، “أبو يوسف”، الذي قدّر المرحلة جيّداً، فجاءت كلماته بمستوى التحديات ومشروع العدوان الذي استهدف سورية والمنطقة، غامزاً أنّ البعض لم يكن بمستوى التصدي لهذا العدوان الذي ساهمت فيه أطراف إقليمية ودولية..

“أبو يوسف” حمل صليبه على كتفيه، صليب كلّ السوريين، الذين تآمرت عليهم الدنيا، بكلّ طغيانها وجبروتها ووحشيتها، جاء مزنّراً بدماء الشهداء وعذابات المنكوبين والمهجّرين وكلّ تضحياتهم الغالية والعزيزة، كي يفرض رأيهم ويسمّي الأشياء بأسمائها، وكي يبصق في وجوه كلّ من ساهم في إعداد هذا الحريق لهم، وكي يؤكّد أنّ السوريين لم ينكسروا ولم تنحنِ لهم هامٌ أبداً، كيف لا وهم الذين كانوا كينونة هذا الشرق، وأسّ مجده وعظمته!!!..

لم يدخل الأخ العزيز “أبو يوسف” في حواري وأزقة طالما ملأها الآخرون سجالاً وتراشقاً، تحت عناوين شاغلتهم بها أطراف العدوان ذاتها، أملاً بالوصول إلى تفتيت وتفكيك حقيقة الحاصل في مواقفهم ومؤامراتهم وعدوانهم وتورّطهم في قتل مئات الآلاف، لكنّه فاجأهم بالبدايات وبأحكام القيمة وبفاتحة الرفض القائم على أساس الحقوق في وجه الطغيان، ثم قصفهم بالنتائج على إيقاع خيول “قاعة القدس”، وجنازير دبابات الأمريكيّ وهي تنسحب من بغداد تحت ضربات أبناء الرافدين، وهزيمتهم أمام السوريين الذين ما بخلوا بسكب دمائهم على مذبح التحرير من “التتار” و”المغول” الجدد، في قهرهم “داعش” الذي التحف بـ “المارينز” وبـ “عباءات” نواطير الكاز والغاز من العربان الزاحفين على لحاهم الوسخة!!..

صرخ السوريّ وصليبه فوق كتفيه بأعلى صوته، في “قاعة القدس” في “بغداد”، وهو على بعد أمتار قليلة من السفارة الأمريكية، بأن معادلة القطب الواحد سقطت، وأن شعوب المنطقة وتضحياتها هزمت تغوّل الولايات المتحدة ومن وقف إلى جانبها، مؤكداً أنّ تضحيات وبسالة السوريين والعراقيين، هي التي أسقطت هذه المعادلة، وهي التي هزمت ودحرت هذا الشكل الجديد من الاستعمار والعدوان!!!..

لم يكتفِ “أبو يوسف” بالتركيز على ما هو سياسيّ ضيّق وصغير، حيث فاجئ الحضور جميعاً بأهدافٍ وتطلعات كبيرة وغالية، متجاوزاً كل الادبيات التي شكلت رئيسية الخطابات والحسابات والمصالح الذاتية لكثيرين من أبناء وقوى المنطقة، إذ أنّها معايير مشغولة على مقاييس لحظية لا يمكن لها ان تشكّل حاملا حقيقيّاً للدفاع عن مصالح هذه الشعوب..

كانت وجوه الحاضرين واجمة مدهوشة تماماً، لعلهم كانوا يتساءلون ماذا سيقول السوريون في هذه المكاشفة، ظنّوا بأنّنا سندخل معهم فيما أراد العدوان ذاته أن يدفعنا إليه، غير أنّ “أبا يوسف” باغتهم حين تجاوزهم جميعاً بلغة عالية وروح مليئة بالكبر، وحين أترعهم بشكلٍ واضحٍ تماماً، أن سيّد الكثيرين منهم، لن يكون إلا في مزبلة التاريخ..

صفّق الحضور جميعاً وطويلاً، بمن فيهم رؤساء برلمانات دول جوار العراق، حتى “إمام الحرمين”، السارق نظامه لكلّ كرامات أبناء هذه الأمّة، لم يستطع أن يمتنع عن التصفيق، وهو ينظر إلى “أبي يوسف” ويرى بعينه صليب السوريين الذي كان يقطر دماً وكرامة وبهاء!!!..

شام تايمز
شام تايمز