نارام سرجون:جولة في مجتمع سايكستان وبيكوستان .. الحدائق المذهبية للمجتمع الرث ..

نارام سرجون:جولة في مجتمع سايكستان وبيكوستان .. الحدائق المذهبية للمجتمع الرث ..
نارام سرجون
اذا أردت أن تتعلم فن الديمقراطية على أصوله فما عليك الا أن تتمشى في حديقة الأرز التي تركها الانكليزي مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو (أي لبنان) .. وهناك يكفي أن تتأمل في اللوحات الانتخابية للمرشحين الى البرلمان اللبناني أو ماأسميه (سقيفة بني ساعدة) .. حيث ستتحول بعدها الى خبير في أصول الأديان والمذاهب ..ومذاهب المذاهب .. وستكتشف ان مبدأ الديمقراطية في المجتمع الرث هو مبدأ لتقسيمه الى مجتمعات أكثر رثاثة .. فلافرق بين مجتمع الرق والمجتمع الرث الا أن مجتمع الرقيق أرقى من المجتمع الرث .. ففي مجتمع الرق يكون الرقيق ملكا للسيد .. أما في المجتمع الرث فيكون السيد ملكا للعبيد الذين يملكهم في نفس الوقت .. وبكون مربوطا بهم بالسلاسل .. ان غرقت الطائفة غرق معها وان غرق هو غرقت الطائفة معه .. فيصوت العبيد لسيدهم العبد .. لأنهم مملوكون له ولأنه مملوك لهم ..
في الدوحة الديمقراطية اللبنانية تقرأ برامج المرشحين وتجد أنها بلا معنى .. وينتظر الجميع في كل البيان الانتخابي تلك الكلمة السحرية التي ستقرر أين ستذهب الاصوات .. الكلمة السحرية في البيان هي المذهب الذي يمثله المرشح .. فيختصر المرشح برنامجه كله وحفلات الخطابات المتعبة بكلمة واحدة بأنه مرشح عن المقعد السني أو الماروني أو الشيعي أو الارثوذوكسي ..
هكذا في القرن الحادي والعشرين تدخل رغما عنك الى القرن الثاني والثالث الهجريين .. في آلة اخترعها اللبنانيون لتكون أول آلة للسفر عبر الزمن عبر مجلس النواب .. وهو أقدم آلة سفر عبر الزمن .. ولكنه آلة متخصصة بالسفر فقط الى الماضي وليس الى المستقبل .. وتحديدا لمرحلة معارك صفين والجمل .. ولحظات انشطار الكنيسة الى كنائس .. والمضحك أن أكثر حزب ماضوي في آلة الزمن هو تيار المستقبل (أو المستأبل) .. الذي مستقبله هو الماضي .. وماضيه هو المستقبل ..
وطبعا الديمقراطية – كما قلت – هي أفضل دواء لتقسيم المجتمع الرث .. الى مجتمعات أكثر رثاثة .. حيث تجد استاذا جامعيا يلثغ بالفرنسية .. ويرتدي بزته التي فصلتها دار أزياء فرنسية وأتى بياقته من أيطاليا وربطة عنقه من انكلترة .. ولكنه عندما يتحدث في السياسة فانه يبدو فقيها أو قسيسا يعيش في كهف ..
كم هي مهينة أن تصبح الطائفة والمذهب شيئا ينحفر في جلدنا مثل طعم الجدري .. وتصبح الطائفة هي برنامجا انتخابيا .. ويصبح أحدنا مختضا في معرفة شريط ضيق من الناس .. وتصبح خدمة الموتى والهياكل العظمية منذ ألف أو ألفي سنة هي مايريده الاحياء ..
كم هي مفجعة هذه الوقاحة المذهبية وهذا التخلف الحضاري .. عندما يكون لهبل ممثلون .. وليهوذا الاسخريوطي نواب .. ويصبح كل شخص مقدس صنما من الأصنام .. ووثنا نركع لسطوته ..
اذا كان من انتصار عظيم أنجزناه في سورية هو أننا منعنا هذه المهزلة .. وهذه الوقاحة التاريخية .. وحطمنا الأصنام .. ورقضنا ادخال ىلة الزمن الماضي الى بلادنا .. ان مافعلناه يستحق الاحترام .. فعن يميننا التخلف في الحديقة اللبنانية (حديقة سايكس) وعن شمالنا حديقة بول بريمر في العراق التي أكلت حدائق بابل المعلقة ..
لن يدرك الكثيرون ممن عاش هذه المرحلة كم كان صائبا أن نقاتل كي نحطم المشروع الرث للتقسيم المذهبي لسورية والذي كان سيبدأ باعلانها دولة دينية .. فيها أنصاف مسلمين وارباع مسلمين ولامسلمون .. وناقصو ايمان .. وسيعمل على تحويلها الى حديقة أخرى من حدائق سايكس .. على النموذج اللبناني .. حيث تشم رائحة المذاهب .. تتداخل بين الأحياء والشوارع .. وفي العجين والخبز والماء والهواء ..
وربما لم يدرك كثيرون حتى اليوم أن مابذلناه من دم سخي لم يكن مجرد مغامرة من أجل عهد أو رجل .. بل من أجل أن لاتكون الطائفة هوية .. ولاتكون قطعة اصيلة من تكويننا العضوي والعقلي والنفسي .. كما يظهر التشوه على وجوه الناس عندما يتعرضون لحوادث أو لحروق بسبب سقوط الماء المغلي على الوجوه .. لأن الطائفية لايجب أن تكون برنامجا انتخابيا بل يجب أن تكون عارا وعيبا ونقيصة .. ويجب ان تدخل ثقافتنا على أنها جريمة .. وجريمة شرف ..
أولادكم هم من سيجني هذا النصر الذي لم تقطفوا ثمرته بعد .. وهم من سيكتشف كم كانت معركة جليلة ومهيبة وعظيمة .. وكم أعطيتموه من الاحترام لنفسه .. وكم ملأتم عينيه بالضوء .. وعقله .. وروحه .. حتى أن مشكاة الله التي حميتموها ازداد زيتها .. وتوهجت نورا على نور ..
أولادكم هم من سيشكرونكم .. وهم من سيضعون الورود والبخور على قبوركم عندما ترحلون .. وينحنون .. في صمت جليل .. عرفانا بقضلكم عليهم وعلى أرواحهم ..
انهم ان وضعوا وردا على قبوركم لهو أفضل الف مرة من ان يرموا قبوركم بالحجارة والحصى والعار وحطام الأصنام التي كنتم ستصنعوها لهم ..
=============================
اقتراح: أقترح ان توضع صورة سايكس وبيكو على كل منافذ الحدود السورية مع الاردن ولبنان والعراق وفلسطين .. لأنهما المالكان الحصريان لهذه الحدود .. ويجب أن توضع صورة تستقبل الزائر بعبارة (أهلا بكم في سايكستان أو بيكوستان) .. وصورة تودعه عند مغادرته بعبارة (رافقتكم المهانة) !!!