الجمعة , مارس 29 2024

Warning: Attempt to read property "post_excerpt" on null in /home/dh_xdzg8k/shaamtimes.net/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/post-head.php on line 73

«الشرق» في هلسنكي: سورية وإيران وحزب الله فأين البقية؟

«الشرق» في هلسنكي: سورية وإيران وحزب الله فأين البقية؟

شام تايمز

د. وفيق إبراهيم

شام تايمز

تحاول اليوم قمّة هلسنكي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي ودونالد ترامب تلبية التغيير الطارئ على مواقع القوة في العالم، بإعادة توزيع مناطق النفوذ القابلة للاقتسام على أساسين: المواقع الاستراتيجية والثروات، يؤدي المشرق العربي هذا الدور منذ آلاف السنين فلا يكاد يخرج من استعمار حتى يلج آخر… ولا يبدي إلا القليل من المقاومة.. مع الكثير من التواطؤ.

لكن أوضاعه حالياً بدأت تختلف عن ذي قبل.. فقسم منها يماثل ما جرى بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، من تأدية دور «الكشافة» لتسهيل حركة المستعمر الغربي الهاشميون وآل سعود ومعظم القوى السياسية التقليدية في مصر وبلاد الشام والعراق .

مقابل قسم طليعي آخر يواصل قتالاً مفتوحاً منذ ثمانينيات القرن الفائت، بهدف تحرير المنطقة من النفوذ الغربي، بأشكاله المختلفة، «إسرائيل» والهيمنة الاقتصادية والإرهاب ورؤوس حريات الغرب في الأنظمة السياسية.. إنّه الرئيس المرحوم حافظ الأسد، الطليعي الأساسي الذي منع سقوط كامل «المشرق» ونهائياً، أو ذلك برفضه الانخراط في الاستسلام الذي نفذه أنور السادات في صلحه مع «إسرائيل» في كامب ديفيد في 1979.

قاوم الرئيس الأسد وحيداً في أجواء عربية منهزمة، جامعاً بين أسلوب دعم المقاومات وبناء الداخل عسكرياً لتحضيره لمستقبل مقاوم، رافضاً التورط في أي توقيع مع العدو.. فنجح بعدم توريط سورية في أي خطأ تاريخي، علماً أنه كان يجابه أحادية أميركية تسلطت على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 وإلى جانبها الدول العربية و»إسرائيل».

لقد واكب الصمود السوري ولادة حزب لله، الذي قاتل النفوذ الأميركي من خلال حربه المفتوحة على الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، متمكناً من تحريره العام 2000 وموقعاً في العدو هزيمة كبيرة في 2006 أدت إلى تحول حزب الله قوة كبيرة في الإقليم.

كما أتاح ولادة تيارات فلسطينية نجحت بمنع الانهيار الفلسطيني الكامل وإلغاء القضية الفلسطينية بأسلوب الانتفاضات الدائمة في غزة والضفة.

لجهة إيران، فلم تبخل بأي إمكانية من مصادر قوتها التي وضعتها في خدمة الصراع مع النفوذ الأميركي، من تسليح وتدريب وتمويل ورعاية وحماية. ذهبت السياسة الإيرانية في اتجاهين: حزب الله والمقاومة الفلسطينية مع بناء حلف سياسي كبير مع سورية من الرئيس حافظ إلى الرئيس بشار.

وهكذا تكوّن ثلاثي القوة الرافضة للنفوذ الأميركي في المشرق العربي، سورية وحزب الله والفلسطينيون فيصبح رباعياً على مستوى المشرق مع الحليف الكبير إيران.

هذا الحلف الرباعي تصدى لأعنف تدخل غربي في بلاد الشرق متطاولاً إلى المغرب العربي، بدعم أوسع حركة إرهابية في التاريخ مولتها دول النفط وجرى استعمالها في أعنف فوضى عسكرية لتؤدي دور مسحوق يطيح الدول الوطنية ووحدة المجتمعات، وذلك على أساس طائفي وعرقي ومذهبي.

لكن هذا الحلف الرباعي منع الأميركيين والغرب من تحقيق نفوذهم، حجابها الإرهاب وداعموه الخليجيون والأتراك والإسرائيليون بكل ما توفر له من قوة عسكرية وبشرية وماديّة.

وسجلوا نصراً تاريخياً في سورية والعراق مع صمود كبير في اليمن وتوسع الدور في لبنان، عاقدين حلفاً مع روسيا، أدت فيه دوراً عسكرياً كبيراً في اجواء سورية، يكاد يؤهلها للعودة إلى المسرح الدولي لركائز القوة في العالم.

هناك إذاً تحالف منتصر يجسده الرئيس السوري بشار الأسد وسيد المقاومة حسن نصرالله، وإيران التي تتعرض حالياً لحرب أميركية كاملة عليها، لخنقها اقتصادياً، من دون نسيان المقاومة الفلسطينية التي بدأت تعزّز أدوارها في مجابهة العدو الإسرائيلي.

بالمقابل هناك مهزومون يتسترون بالعباءة الأميركية، على شاكلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وصديقه الإماراتي محمد بن زايد وحكام قطر وتركيا والعدو الإسرائيلي المصدوم من هزائم الإرهاب، لأنه كان يعولُ عليها لتفتيت سورية. هذا إلى جانب سيل رؤساء الدول المهزمين، من عبدالله الأردني والمغربي والبشير السوداني والسيسي «الباحث عن الرز» والذاهب في سبات أهل الكهف منصور عبد ربه هادي.

تنعقد هلسنكي إذاً، وعلى رأس برنامج عملها إيران وسورية، إنما لظروف مختلفة، فإذا كانت مؤتمرات تقسيم النفوذ بعد الحرب العالمية الثانية، لم تلق أي رفض داخلي في الشرق، وبدا «لورش العرب ملكاً غير متوّج.. وبدت خرائط تقاسم النفوذ وتفتيت المنطقة قدراً غربياً غير قابل للرفض، أبدته قيادات العشائر المتورطة سعود وهاشم ونهيان وخليفة.. والشرائح السياسية شبه المدنية في بلاد الشام والعراق ومصر.. فإن أوضاع اليوم مختلفة.. لا يوجد مؤتمر أو قمة بوسعهما التلاعب بالكيان السياسي السوري أو العراقي أو اللبناني واليمني، بعد أكثر من مليون شهيد بذلوا دماءهم في مواجهة المستعمر وإرهابه وقواه المحلية المتورطة.. وسقطت صفقة القرن الأميركية ـ السعودية ـ الإسرائيلية بالانتصارات في سورية والعراق، وانتفاضات الفلسطينيين في الداخل.

وهذا يدعو إلى التساؤل عن أهداف قمة هلسنكي في ضوء فشل مشاريع التفتيت، وهل بإمكان هذه القمة فرض اتفاقات بين طرفيها الأميركي والروسي، على بلاد الشام والعراق؟

لا يذهب الرئيس بوتين لتوقيع اتفاقات على حساب أصدقائه السوريين «أولاً» إنه يعرف أنّ الميدان السوري هو الرافعة التي حمت دمشق وموسكو في آن معاً.. لذلك فهو مدرك بأن استهداف روسيا من قبل الأميركيين مشروع دائم جرى إرجاؤه حالياً للتعثر الكبير الذي أصاب الأميركيين وحلفاءهم الاقليميين والعرب في ميادين سورية والعراق.

هذا يكشف بأن مصلحة القيصر دعم الدولة السورية وتعزيزها لأهمياتها «الشامية» والعربية والاقليمية وارتباطها بالوضع الدولي وليس من مصلحته أيضاً التآمر على إيران في الحرب الأميركية الضروس عليها، فطهران منفذ بلاده الآمن نحو العراق وسورية في حالة تأزم الوضع مع تركيا «الأطلسية»، من دون نسيان الأهمية الاقتصادية لإيران التي تحتاج إلى حركة تحديث تاريخية، قد يتشارك في التزامها، الصينيون والروس وقسم من الأوروبيين. تكفي الإشارة إلى أنّ الدور الروسي العسكري في سورية، كشف عن تفوق أسلحة القياصرة التي بدأت بتوزيع أسلحة دفاع جوية متطورة S300 من قطر إلى الهند وتركيا.

ويبدو أنّ صناعة السلاح الروسي ذاهبة نحو ازدهار كبير جدير بمنافسة مثيلاتها الغربيات.

لذلك يمكن القول إنّ «هلسنكي» قمة للاعتراف بصعود الدور الروسي في سورية ومحاولة عقد تفاهمات تحدّ من تحول المنافسات حروباً كبيرة.. عبر تنظيم آليات التنافس والاتفاق على مناطق استراتيجية أساسية لكل طرف، بما يمنع الطرف الآخر، التحرك العدائي فيها، على شاكلة «الخليج الأميركي» و»سورية الروسية» مع الاستمرار في محاولات الاتفاق في مناطق البلقان وحدوده مع روسيا وتجميد الأزمة الأوكرانية بما هي عليه الآن. أي قسم روسي وقسم أوكراني. وهذا يكشف أنّ قمة هلسنكي تشكل حاجة للاعتراف بصعود موسكو من جهة ومحاولة أميركية لاستيعاب هذا الصعود في حدوده الدنيا ومنعه من التقدم نحو العراق والخليج، بالإضافة إلى عشق الرئيس ترامب للظهور الإعلامي التاريخي طمعاً في زيادة معدلات شعبيته في أميركا. إنه إذاً هذا الرباعي من الرئيس بشار الأسد والرئيس روحاني والسيد حسن نصرالله وأهل المقاومة في فلسطين، الذين يمنعون هلسنكي من أنّ تكون شبيهة بمؤتمرات الصلح في الحرب العالمية الثانية، التي تعامل المحتلون فيها مع العرب كالخراف الذاهبة إلى الذبح وهي تضحك.

أما اليوم بمقاومة «الشرق» فهي في قلب هلسنكي وتحاول تمزيق صورة «قادة عشائر» بسطاء يواصل أحفادهم حكم الخليج بدعم الغرب مستمرين في سجن شعوبهم في القرون الوسطى والزوايا العفنة للتاريخ.
البناء

 

شام تايمز
شام تايمز